يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تبارك وتعالى المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن لما لهم في ذلك من جزيل الثواب وجميل المآب قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن سعيد حدثني مولى ابن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا : وما هو يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلّم : ذكر الله D ] وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد مولى ابن عياش عن أبي بحرية واسمه عبد الله بن قيس البراغمي عن أبي الدرداء Bه به قال الترمذي : رواه بعضهم عنه فأرسله قلت وقد تقدم هذا الحديث عند قوله تعالى : { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } في مسند الإمام أحمد من حديث زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش أنه بلغه عن معاذ بن جبل Bه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنحوه فالله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا فرج بن فضالة عن أبي سعيد الحمصي قال : سمعت أبا هريرة Bه يقول : دعاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا أدعه : اللهم اجعلني أعظم شكرك وأتبع نصيحتك وأكثر ذكرك وأحفظ وصيتك ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى عن وكيع عن أبي فضالة الفرج بن فضالة عن أبي سعيد الحمصي عن أبي هريرة Bه فذكر مثله وقال : غريب وهكذا رواه الإمام أحمد أيضا عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن فرج بن فضالة عن أبي سعيد المري عن أبي هريرة Bه فذكره .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس قال : سمعت عبد الله بن بسر يقول : [ جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أحدهما : يارسول الله أي الناس خير ؟ قال صلى الله عليه وسلّم : من طال عمره وحسن عمله وقال الاخر : يارسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فمرني بأمر أتشبث به قال صلى الله عليه وسلّم : لايزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى ] وروى الترمذي وابن ماجه الفصل الثاني من حديث معاوية بن صالح به وقال الترمذي : حديث حسن غريب .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث قال : إن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري Bه قال : [ إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون ] وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن عقبة بن أبي ثبيب الراسبي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس Bهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ اذكروا الله ذكرا كثيرا حتى يقول المنافقون إنكم تراؤون ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد أبو طلحة الراسبي سمعت أبا الوازع جابر بن عمرو يحدث عن عبد الله بن عمرو Bهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة ] وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس Bهما في قوله تعالى : { اذكروا الله ذكرا كثيرا } إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإن الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على تركه فقال : { يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } بالليل والنهار في البر والبحر وفي السفر والحضر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال وقال D : { وسبحوه بكرة وأصيلا } فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته والأحاديث والايات والاثار في الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جدا وفي هذه الاية الكريمة الحث على الإكثار من ذلك وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي C .
وقوله تعالى : { وسبحوه بكرة وأصيلا } أي عند الصباح والمساء كقوله D { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون } وقوله تعالى : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } هذا تهييج إلى الذكر أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم كقوله D { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } وقال النبي صلى الله عليه وسلّم [ يقول الله تعالى : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ] والصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة حكاه البخاري عن أبي العالية ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه وقال غيره : الصلاة من الله D الرحمة وقد يقال : لا منافاة بين القولين والله أعلم .
وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار كقوله تبارك وتعالى : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات } الاية وقوله تعالى : { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } أي بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين { وكان بالمؤمنين رحيما } أي في الدنيا والاخرة أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم وبصرهم الطريق الذي ضل عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطغاة وأما رحمته بهم في الاخرة فآمنهم من الفزع الأكبر وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس Bه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في نفر من أصحابه Bهم وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول : ابني ابني وسعت فأخذته فقال القوم : يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار قال فخفضهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال [ لا والله لايلقي حبيبه في النار ] إسناده على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ولكن في صحيح الإمام البخاري عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب Bه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى امراة من السبي قد أخذت صبيا لها فألصقته إلى صدرها وأرضعته فقال رسول الله A : [ أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك ؟ ] قالوا : لا قال رسول الله A [ فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها ] .
وقوله تعالى : { تحيتهم يوم يلقونه سلام } الظاهر أن المراد ـ والله أعلم ـ تحيتهم أي من الله تعالى يوم يلقونه سلام أي يوم يسلم عليهم كما قال D : { سلام قولا من رب رحيم } وزعم قتادة أن المراد أنهم يحيي بعضهم بعضا بالسلام يوم يلقون الله في الدار الاخرة واختاره ابن جرير ( قلت ) وقد يستدل له بقوله تعالى : { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وقوله تعالى : { وأعد لهم أجرا كريما } يعني الجنة وما فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والملاذ والمناظر مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر