يمدح تبارك وتعالى { الذين يبلغون رسالات الله } أي إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها { ويخشونه } أي يخافونه ولا يخافون أحدا سواه فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله تعالى { وكفى بالله حسيبا } أي وكفى بالله ناصرا ومعينا وسيد الناس في هذا المقام بل وفي كل مقام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب إلى جميع أنواع بني آدم وأظهر الله تعالى كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع فإنه قد كان النبي قبله إنما يبعث إلى قومه خاصة وأما هو صلى الله عليه وسلّم فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه Bهم بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله في ليله ونهاره وحضره وسفره وسره وعلانيته فBهم وأرضاهم ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا فبنورهم يقتدي المهتدون وعلى منهجهم يسلك الموفقون فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم .
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال ثم لا يقوله فيقول الله ما يمنعك أن تقول فيه ؟ فيقول رب خشيت الناس فيقول : فأنا أحق أن يخشى ] ورواه أيضا عن عبد الرزاق عن الثوري عن زبيد عن عمرو بن مرة ورواه ابن ماجه عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش به .
وقوله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } نهى أن يقال بعد هذا زيد بن محمد أي لم يكن أباه وإن كان قد تبناه فإنه صلى الله عليه وسلّم لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم فإنه صلى الله عليه وسلّم ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة Bها فماتوا صغارا وولد له صلى الله عليه وسلّم إبراهيم من مارية القبطية فمات أيضا رضيعا وكان له صلى الله عليه وسلّم من خديجة أربع بنات : زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة Bهم أجمعين فمات في حياته صلى الله عليه وسلّم ثلاث وتأخرت فاطمة Bها حتى أصيبت به صلى الله عليه وسلّم ثم ماتت بعده لستة أشهر .
وقوله تعالى : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما } كقوله D : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } فهذه الاية نص في أنه لانبي بعده وإذا كان لانبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من حديث جماعة من الصحابة Bهم قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر الأزدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون : لو تم موضع هذه اللبنه فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ] ورواه الترمذي عن بندار عن أبي عامر العقدي به وقال حسن صحيح .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا المختار بن فلفل حدثنا أنس بن مالك Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعد ولا نبي قال : فشق ذلك على الناس فقال : ولكن المبشرات قالوا : يارسول الله وما المبشرات ؟ قال : رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة ] وهكذا رواه الترمذي عن الحسن بن محمد الزعفراني عن عفان بن مسلم به وقال : صحيح غريب من حديث المختار بن فلفل .
( حديث آخر ) قال أبو داود الطيالسي : حدثنا سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فكان من دخلها فنظر إليها قال : ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ] ورواه البخاري ومسلم والترمذي من طرق عن سليم بن حيان به وقال الترمذي : صحيح غريب من هذا الوجه .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا لبنة واحدة فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة ] انفرد به مسلم من رواية الأعمش به .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن زيد حدثنا عثمان بن عبيد الراسبي قال : سمعت أبا الطفيل Bه يقول : قال رسول الله A : [ لانبوة بعدي إلا المبشرات قيل : وما المبشرات يارسول الله ؟ قال : الرؤيا الحسنة ـ أو قال ـ الرؤيا الصالحة ] .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة Bه قال : قال رسول الله A : [ إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأكملها وأحسنها وأجملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون : ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك ـ قال رسول الله A ـ فكنت أنا اللبنة ] أخرجاه من حديث عبد الرزاق .
( حديث آخر ) عن أبي هريرة Bه أيضا قال الإمام مسلم : حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة Bه أن رسول الله A قال : [ فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون ] ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث إسماعيل بن جعفر وقال الترمذي : حسن صحيح .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري Bه قال : قال رسول الله A : [ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا موضع لبنة واحدة فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة ] ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية به .
( حديث آخر ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح حدثنا سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية Bه قال : قال لي النبي A : [ إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ] .
( حديث آخر ) قال الزهري : أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه Bه قال : سمعت رسول الله A يقول : [ إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي ] أخرجاه في الصحيحين .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ابن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله ابن هبيرة عن عبد الرحمن بن جبير قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : خرج علينا رسول الله A يوما كالمودع فقال : [ أنا محمد النبي الأمي ـ ثلاثا ـ ولانبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي وعوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله تعالى أحلوا حلاله وحرموا حرامه ] تفرد به الإمام أحمد .
ورواه الإمام أحمد أيضا عن يحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة لهيعة عن عبد الله بن سريج الخولاني عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو Bهما فذكر مثله سواء والأحاديث في هذا كثيرة فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد A إليهم ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله A في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب وأفاك دجال ضال مضل لو تحرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات فكلها محال وضلال عند أولي الألباب كما أجرى الله سبحانه وتعالى على يد الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولاينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم كما قال تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم } الاية وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات والأدلة الواضحات والبراهين الباهرات فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسموات