وقال عمر إذ دخل الشام ورأى معاوية : هذا كسرى العرب وكان قد تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما دنا منه قال له : أنت صاحب الموكب العظيم قال : نعم يا أمير المؤمنين قال : مع ما يبلغني عنك من وقوف ذوي الحاجات ببابك قال : مع ما يبلغك من ذلك . قال : ولم تفعل هذا قال : نحن بأرض جواسيس العدو بها كثيرة . فيجب أن نظهر من عز السلطان ما نرهبهم به فإن أمرتني فعلت وإن نهيتني انتهيت . فقال عمر لمعاوية : ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس إن كان ما قلت حقا إنه لرأي أريب وإن كان باطلا إنه لخدعة أديب قال : فمرني يا أمير المؤمنين . قال : لا آمرك ولا أنهاك . فقال عمرو : يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه قال : لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه .
وذم معاوية عند عمر يوما فقال : دعونا من ذم فتى قريش من يضحك في الغضب ولا ينال ما عنده إلا على الرضا ولا يؤخذ ما فوق رأسه إلا من تحت قدميه . روى جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال : ما رأيت أحدا بعد رسول الله A أسود من معاوية . فقيل له : فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي فقال : كانوا والله خيرا من معاوية . وكان معاوية أسود منهم . وقيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية . ولم يبايع عليا فقال : كان ابن عمر يعطي يدا في فرقة ولا يمنعها من جماعة ولم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه . قال أبو عمر : كان معاوية أميرا بالشام نحو عشرين سنة وخليفة مثل ذلك كان من خلافة عمر أميرا نحو أربعة أعوام وخلافة عثمان كلها اثنتي عشرة سنة وبايع له أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع وثلاثين واجتمع الناس عليه حين بايع له الحسن بن علي وجماعة ممن معه وذلك في ربيع أو جمادى سنة إحدى وأربعين فيسمى عام الجماعة . وقد قيل : إن عام الجماعة كان سنة أربعين والأول أصح . قال ابن إسحاق : كان معاوية أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة . وقال غيره : كانت خلافته تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يوما . وتوفي في النصف من رجب سنة ستين بدمشق ودفن بها وهو ابن ثمان وسبعين سنة . وقيل : ابن ست وثمانين . قال الوليد بن مسلم : مات معاوية في رجب سنة ستين وكانت خلافته تسع عشرة سنة ونصفا . وقال غيره : توفي معاوية بدمشق ودفن بها يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة تسع خمسين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوما وكان يثمثل وهو قد احتضر : .
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار .
وروى محمد بن عبد الله بن الحكم قال : سمعت الشافعي يقول : لما ثقل معاوية كان يزيد غائبا فكتب إليه بحاله فلما أتاه الرسول أنشأ يقول : .
جاء البريد بقرطاس يحث به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا .
قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم ... قالوا : الخليفة أمسى مثبتا وجعا .
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأن ثهلان من أركانه انقلعا .
أودى ابن هند وأودى المجد يتبعه ... كانا جميعا فظلا يسريان معا .
لا يرقع الناس ما أوهى وإن جهدوا ... أن يرقعوه ولا يوهون ما رقعا .
أغر أبلج يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عن أحلامهم قرعا .
قال الشافعي : البيتان الأخيران للأعشى فلما وصل إليه وجده مغمورا فأنشأ يقول : .
لو عاش حي على الدنيا لعاش إما ... م الناس لا عاجز ولا وكل .
الحول القلب الأريب ولن ... يدفع وقت المنية الحيل .
فأفاق معاوية وقال : يا بني إني صحبت رسول الله A فخرج لحاجة فاتبعته بإداوة فكساني أحد ثوبيه الذي كان على جلده فخبأته لهذا اليوم وأخذ رسول الله A من أظفاره وشعره ذات يوم فأخذته وخبأته لهذا اليوم فإذا أنا مت فاجعل ذلك القميص دون كفني مما يلي جلدي وخذ ذلك الشعر والأظفار فاجعله في فمي وعلى عيني ومواضع السجود مني فإن نفع شيء فذاك وإلا فإن الله غفور رحيم