قال أبو عمر وكان سبب ذلك أن الأرض أجدبت إجدابا شديدا على عهد عمر زمن الرمادة سنة سبع عشرة فقال : كعب يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء فقال : عمر هذا عم رسول الله A وصنو أبيه وسيد بني هاشم فمشى إليه عمر وشكا إليه ما فيه الناس من القحط ثم صعد المنبر ومعه العباس فقال : اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ثم قال عمر : يا أبا الفضل قم فادع . فقام العباس فقال : بعد حمد الله تعالى والثناء عليه اللهم إن عندك سحابا وعندك ماء فانشر السحاب ثم أنزل الماء منه علينا فاشدد به الأصل وأدر به الضرع اللهم إنك لم تنزل بلاء إلا بذنب ولم تكشفه إلا بتوبة وقد توجه القوم إليك فاسقنا الغيث اللهم شفعنا في أنفسنا وأهلينا اللهم إنا شفعنا بمن لا ينطق من بهائمنا وأنعامنا اللهم اسقنا سقيا وادعا نافعا طبقا سحا عاما اللهم إنا لا نرجو إلا إياك ولا ندعو غيرك ولا نرغب إلا إليك اللهم إليك نشكو جوع كل جائع وعرى كل عار وخوف كل خائف وضعف كل ضعيف... . في دعاء كثير . وهذه الألفاظ كلها لم تجيء في حديث واحد ولكنها جاءت في أحاديث جمعتها واختصرتها ولم أخالف شيئا منها . وفى بعضها فسقوا والحمد الله وفي بعضها قال : فأرخت السماء عزاليها فجاءت بأمثال الجبال حتى استوت الحفر بالآكام وأخصبت الأرض وعاش الناس .
قال أبو عمر : هذا والله الوسيلة إلى الله D والمكان منه .
وقال حسان بن ثابت في ذلك .
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا ... فسقى الغمام بغرة العباس .
عم النبى وصنو والده الذي ... ورث النبى بذاك دون الناس .
أحيا الإله به البلاد فأصبحت ... مخضرة الأجناب بعد الياس .
وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب .
بعمي سقى الله الحجاز وأهله ... عشية يستسقي بشيبته عملا .
توجه بالعباس في الحدب راغبا ... فما كر حتى جاء بالديمة المطر .
وروينا من وجوه عن عمر - أنه خرج يستسقى وخرج معه بالعباس فقال : اللهم أنا نتقرب إليك بعم نبيك ونستشفع به فاحفظ فيه نبيك كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما وأتيناك مستغفرين ومستشفعين . ثم أقبل على الناس فقال : " استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا " .
ثم قام العباس وعيناه تنضحان فطالع عمر ثم قال : اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون فنشأت طريرة من سحاب فقال الناس : ترون ترون ! .
ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح ثم هرت ودرت فوالله ما يرحوا حتى اعتلوا الجدار وقلصوا المآزر وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون : هنيئا لك ساقي الحرمين .
قال ابن شهاب كان أصحاب رسول الله A يعرفون للعباس فضله ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه واستسقى به عمر فسقي .
وقال الحسن بن عثمان : كان العباس جميلا أبيض بضا ذا ضفيرتين معتدل القامة . وقيل بل كان طوالا .
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جار . قال : أردنا أن نكسو العباس حين أسر يوم بدر فما أصبنا قميصا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي .
وتوفي العباس بالمدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من رجب وقيل : بل من رمضان سنة اثنتين وثلاثين قبل قتل عثمان بسنتين وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع وهو ابن ثمان وثمانين سنة . وقيل ابن تسع وثمانين . أدرك في الإسلام اثنتين وثلاثين سنة وفى الجاهلية ستا وخمسين سنة .
وقال خليفة بن خياط : كانت وفاة العباس سنة ثلاث وثلاثين ودخل قبره ابنه عبد الله بن عباس .
العباس بن مرداس بن .
أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن حيي بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمي يكنى أبا الفضل وقيل أبا الهيثم أسلم قبل فتح مكة بيسير وكان مرداس أبوه شريكا ومصافيا لحرب بن أمية وقتلتهما جميعا الجن وخبرهما معروف عند أهل الأخبار