قال : فذاك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد فلما صار الأمر إلى علي بن أبي طالب وجه زيادا إلى فارس فضبط البلاد وحما وجبى وأصلح الفساد فكاتبه معاوية يروم إفساده على علي فلم يفعل ووجه بكتابه إلى علي .
قال أبو عمر : وفيه شعر تركته لأني اختصرت الخبر فيه .
فكتب إليه علي : " إنما وليتك ما وليتك . وأنت أهل لذلك عندي ولن تدرك ما تريد مما أنت فيه إلا بالصبر واليقين وإنما كانت من أبي سفيان فلتة زمن عمر لا تستحق بها نسبا ولا ميراثا . وإن معاوية يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه فاحذره ثم احذره . والسلام " .
فلما قرأ زياد الكتاب قال : شهد لي أبو الحسن ورب الكعبة . قال : فذلك الذي جرأ زيادا ومعاوية على ما صنعا .
ثم أدعاه معاوية في سنة أربع وأربعين ولحق به زيادا أخا على ما كان من أبي سفيان في ذلك وزوج معاوية ابنته من ابنه محمد بن زياد وكان أبو بكرة أخا زياد لأمه أمهما سمية . فلما بلغ أبا بكرة أن معاوية استلحقه وأنه رضي بذلك آلى يمينا لا يكلمه أبدا وقال : هذا زنى أمه وانتفى من أبيه ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي A أيريد أن يراها فإن حجبته فضحته وإن رآها فيالها مصيبة ! .
يهتك من رسول الله A حرمة عظيمة وحج زياد في زمن معاوية فأراد الدخول على أم حبيبة ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك .
وقيل : إن أم حبيبة زوج النبي A حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها . وقيل : إنه حج ولم يزر من أجل قول أبي بكرة وقال : جزى الله أبا بكرة خيرا فما يدع النصيحة على حال .
ولما ادعى معاوية زيادا دخل عليه بنو أمية وفيهم عبد الرحمن بن الحكم فقال له : يا معاوية لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة فأقبل معاوية على مروان وقال : أخرج عنا هذا الخليع فقال : مروان والله إنه لخليع ما يطاق . فقال معاوية : والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق . ألم يبلغني شعره في زياد ثم قال لمروان أسمعنيه فقال : الوافر .
ألا أبلغ معاوية بن صخر ... فقد ضاقت بما تأتي اليدان .
أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضي أن يقال أبوك زان .
فأشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان .
وأشهد أنها حملت زيادا ... وصخر من سمية غير دان .
وهذه الأبيات تروي ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر ومن رواها له جعل أولها : .
ألا بلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني .
وذكر الأبيات كما ذكرناها سواء .
روى عمر بن شبة وغيره أن ابن مفرغ لما وصل إلى معاوية أو إلى ابنه يزيد بعد أن شفعت فيه اليمانية وغضبت لما صنع به عباد وأخوه عبيد الله وبعد أن لقي من عباد وأخيه عبيد الله بن زياد ما لقي مما يطول ذكره وقد نقله أهل الأخبار ورواة الأشعار بكى وقال : يا أمير المؤمنين ركب مني ما لم يركب من مسلم قط على غير حدث في الإسلام ولا خلع يد منطاعة فقال له معاوية : ألست القائل : الوافر .
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني .
أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زان .
وذكر الأبيات كما ذكرناها فقال ابن مفرغ : لا والذي عظم حقك ورفع قدرك يا أمير المؤمنين ما قلتها قط لقد بلغني أن عبد الرحمن بن الحكم قالها ونسبها إلي . قال : أفلست القائل : الوافر .
شهدت بأن أمك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع .
ولكن ان أمرا فيه لبس ... على وجل شديد وارتياع .
أو لست القائل المنسرح : .
إن زيادا ونافعا وأبا ... بكرة عندي من أعجب العجب .
هم رجال ثلاثة خلقوا ... في رحم أنثى وكلهم لأب .
ذا قرشي كما يقول وذا ... مولى وهذا بزعمه عربي .
في أشعار قلتها في زياد وبنيه هجوتهم أعزب فلا عفا الله عنك قد عفوت عن جرمك ولو صحبت زيادا لم يكن شيء مما كان اذهب فاسكن أي أرض أحببت فاختار الموصل