7 - واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور .
- 8 - يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون .
- 9 - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم .
- 10 - والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم .
- 11 - يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
يقول تعالى مذكرا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه فقال تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذا قلتم سمعنا وأطعنا } وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند إسلامهم كما قالوا : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله . وقال الله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } وقيل هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلّم والانقياد لشرعه . وقيل : هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } قاله مجاهد والقول الأول أظهر وهو المحكي عن ابن عباس والسدي واختاره ابن جرير . ثم قال تعالى : { واتقوا الله } تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال ثم أعلمهم أنه يعلم ما يختلج في الضمائر من الأسرار والخواطر فقال : { إن الله عليم بذات الصدور } وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله } أي كونوا قوامين بالحق لله D لا لأجل الناس والسمعة وكونوا { شهداء بالقسط } أي بالعدل لا بالجور وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : " أكل ولدك نحلت مثله ؟ " قال : لا فقال : " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " وقال : " إني لا أشهد على جور " قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة .
وقوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم ( المراد بالقوم : اليهود وقد أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلّم كما ذكره ابن جرير . وقال السهيلي : المراد غورث بن الحارث الغطفاني وجد النبي صلى الله عليه وسلّم نائما في بعض غزواته تحت شجرة والسيف معلق فيها فاخترط السيف واستيقظ رسول الله والسيف في يده فقال له : يا محمد من يمنعك مني ؟ قال : " الله تعالى " فقبض الله يده وقعد إلى الأرض حتى جاء أصحاب رسول الله وهو عنده وقيل : إنه عمرو بن جحاش اليهودي كما ذكره ابن إسحاق وحكاه عنه السهيلي ) على أن لا تعدلوا } أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل استعملوا العدل في كل أحد صديقا كان أو عدوا ولهذا قال : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } أي عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه كما في قوله : { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقوله : { هو أقرب للتقوى } من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء كما في قوله تعالى : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا } وكقول بعض الصحابيات لعمر : أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم قال تعالى : { واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } أي وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولهذا قال بعده : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة } أي لذنوبهم { وأجر عظيم } وهو الجنة التي هي من رحمته على عباده لا ينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم وهو تعالى الذي جعلها أسبابا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه فالكل منه وله فله الحمد والمنة ثم قال : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } وهذا من عدله تعالى وحكمته وحكمه الذي لا يجوز فيه بل هو الحكم العدل الحكيم القدير .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها وعلق النبي صلى الله عليه وسلّم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذه فسله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : " الله D " قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا : من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : " الله " قال فشام ( فشام السيف : فأدخله في قرابه ) الأعرابي السيف فدعا النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه فأخبرهم هبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه وقصة هذا الأعرابي وهو ( غورث ابن الحارث ) ثابتة في الصحيح . وقال ابن عباس : إن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولأصحابه طعاما ليقتلوهم فأوحى الله إليه بشأنهم وقال أبو مالك : نزلت في كعب بن الأشرف واصحابه حين أرادوا أن يغدروا بمحمد وأصحابه في دار كعب بن الأشرف وذكر محمد بن أسحاق بن يسار : أنها نزلت في شأن بني النضير حين ارادوا أن يلقوا على رأس رسول الله A الرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ووكلوا ( عمرو بن جحاش ) بذلك وأمروه إن جلس النبي A تحت الجدار أن يلقي تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبي A على ما تمالأوا عليه فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأنزل الله في ذلك هذه الآية . وقوله تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } يعني من توكل على الله كفاه الله ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه