( تابع . . . 1 ) : 6 - يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم .
قد تقدم في حديث أمير المؤمنين عثمان Bه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غسل الرجلين في وضوئه إما مرة وإما مرتين أو ثلاثا على اختلاف رواياتهم وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم توضأ فغسل قدميه ثم قال : " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة : صلاة العصر ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته : " أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار " وفي رواية : " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار " رواه البيهقي والحاكم . وقال الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلّم في رجل رجل مثل الدرهم لم يغسله فقال : " ويل للأعقاب من النار " . وقال ابن جرير عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابصر قوما يصلون وفي عقب أحدهم أو كعب أحدهم مثل موضع الدرهم أو موضع الظفر لم يمسه الماء فقال : " ويل للأعقاب من النار " قال : فجعل الرجل إذا رأى في عقبه شيئا لم يصبه الماء أعاد وضوءه . ووجه الدلاة من هذه الأحاديث ظاهر وذلك أنه لو كان فرض الرجلين مسحهما أو أنه يجوز ذلك فيهما لما توعد على تركه لأن المسح لا يستوعب جميع الرجل بل يجري فيه ما يجري في مسح الخف وهكذا وجه هذه الدلالة على الشيعة الإمام أبو جعفر بن جرير C تعالى وقد روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب : أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : " ارجع فأحسن وضوءك " . وقال الإمام أحمد عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم أنه رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يعيد الوضوء . ورواه أبو داود وزاد " والصلاة " وهذا إسناد جيد قوي صحيح والله أعلم .
وقال الإمام أحمد قال أبو أمامة : حدثنا عمرو بن عبس قال قلت : يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ قال : " ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرت خطايه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر ثم يغسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو له أهل ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . قال أبو أمامة : يا عمرو انظر ما تقول سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيعطى هذا الرجل كله في مقامه ؟ فقال عمرو بن عبسة : يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلين وما بي حاجة أن أكذب على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا لقد سمعته سبع مرات أو أكثر من ذلك وهذا إسناد صحيح وهو في صحيح مسلم من وجه آخر وفيه : ثم يغسل قدميه كما أمره الله فدل على أن القرآن يأمر بالغسل وهكذا روي عن علي بن ابي طالب Bه أنه قال : اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم وقد روى أبو داود عن أوس بن ابي أوس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على نعليه وقدميه . وقد رواه ابن جرير من طريق شعبة ثم قال : وهذا محمول على أنه تضأ كذلك وهو غير محدث إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسوله متنافية متعارضة وقد صح عنه صلى الله عليه وسلّم الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهى إليه وبلغه ولما كان القرآن آمرا بغسل الرجلين كما في قراءة النصب وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليها توهم بعض السلف أن هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفين وقد روي ذلك عن علي بن ابي طالب ولكن لم يصح إسناده ثم الثابت عنه خلافه وليس كما زعموه فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلّم مسح على الخفين بعد نزول هذه الآية الكريمة وقال الإمام أحمد عن جرير ابن عبد الله البجلي قال : أنا أسلمت بعد نزول المائدة وأنا رأيت رسول الله A يمسح بعدما اسلمت وفي الصحيحين عن همام قال : بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل : تفعل هذا ؟ فقال : نعم رأيت رسول الله A بال ثم توضأ ومسح على خفيه . قال الأعمش قال إبراهيم : فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة لفظ مسلم . وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله A مشروعية المسح على الخفين قولا منه وفعلا وقد خالفت الروافض في ذلك بلا مستند بل بجهل وضلال مع أنه ثابت في صحيح مسلم من رواية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب Bه كما ثبت في الصحيحين عنه عن النبي A النهي عن نكاح المتعة وهم يستبيحونها وكذلك هذه الآية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله A على وفق ما دلت عليه الآية الكريمة وهم مخالفون لذلك كله وليس لهم دليل صحيح في نفس الأمر ولله الحمد وهكذا خالفوا الأئمة والسلف في الكعبين اللذين في القدمين فعندهم أنهما في ظهر القدم فعندهم في كل رجل كعب وعند الجمهور أن الكعبين هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم . قال الربيع قال الشافعي : لم أعلم مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان وهما مجمع مفصل الساق والقدم هذا لفظه .
قوله تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير آية النساء فلا حاجة بنا إلى إعادته لئلا يطول الكلام . وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك ولكن البخاري روى ههنا حديثا خاصا بهذه الآية الكريمة فقال عن عائشة قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله A ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا فأقبل ابو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال : حبست الناس في قلادة فتمنيت الموت لمكان رسول الله A مني وقد أوجعني ثم إن النبي A استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى آخر الآية فقال أسيد بن الحضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم ( قال السيوطي : دل الحديث على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول الآية ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء وبعضهم يرى احتمال نزول أول الآية في فرضية الوضوء ثم نزل بقيتها بعد ذلك في التيمم والأول أصوب لأن فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة والآية مدنية ) وقوله تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } أي فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر بل أباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم ورحمة بكم وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه .
وقوله تعالى : { ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الآية الكريمة كما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن عقبة بن عامر قال : كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله A قائما يحدث الناس فأدركت من قوله : " ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة " قال قلت : ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول : التي قبلها أجود منها فنظرت فإذا عمر Bه فقال : إني قد رأيتك جئت آنفا قال : " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " لفظ مسلم . وروي عن أبي هريرة أن رسول الله A قال : " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب " رواه مسلم وروى ابن جرير عن أبي أمامة قال قال رسول الله A : " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه " وروى مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله A قال : " الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض والصوم جنة والصبر ضياء والصدقة برهان والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله A : " لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور "