1 - إنا فتحنا لك فتحا مبينا .
- 2 - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما .
- 3 - وينصرك الله نصرا عزيزا .
نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام وحالوا بينه وبين العمرة ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب Bه فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله D هذه السورة وجعل ذلك الصلح فتحا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر إليه كما روى ابن مسعود Bه وغيره أنه قال : .
إنكم تعدون الفتح ( فتح مكة ) ونحن نعد الفتح صلح الحديبية وروى البخاري عن البراء Bه قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا ( أخرجه البخاري ) وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله .
عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سفر قال : فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي قال : فقلت في نفسي ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألححت كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث مرات فلم يرد عليك قال : فركبت راحلتي فحركت بعيري فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء قال : فإذا أنا بمناد : يا عمر قال : فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء قال فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ... ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } " ( أخرجه أحمد ورواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق ) . وعن أنس بن مالك Bه قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلّم : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } مرجعه من الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلّم : " لقد أنزلت علي الليلة آية أحب إلي مما على الأرض " ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا : هنيئا مريئا يا نبي الله بين الله D ما يفعل بك فما يفعل بنا ؟ فنزلت عليه صلى الله عليه وسلّم : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار - حتى بلغ - فوزا عظيما } ( أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد ) . وروى الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلّم يصلي حتى تورمت قدماه فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلّم : " أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " ( أخرجه البخاري ومسلم وبقية الجماعة إلا أبا داود ) وروى الإمام أحمد عن عائشة Bها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه فقالت له عائشة Bها : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلّم : " يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " ( أخرجه مسلم والإمام أحمد ) .
فقوله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } أي بينا ظاهرا والمراد به ( صلح الحديبية ) فإنه حصل بسببه خير جزيل وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض وتكلم المؤمن مع الكافر وانتشر العلم النافع والإيمان وقوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر } هذا من خصائصه A التي لا يشاركه فيها غيره وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله A وهو A في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه لا من الأولين ولا من الآخرين وهو A أكمل البشر على الإطلاق وسيدهم في الدنيا والآخرة ولما كان أطوع خلق الله تعالى وأشدهم تعظيما لأوامره ونواهيه قال حين بركت فيه الناقة حبسها حابس الفيل ثم قال A : " والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها " ( أخرجه البخاري وهو جزء من حديث طويل ) فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ... ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك } أي في الدنيا والآخرة { ويهديك صراطا مستقيما } أي بما شرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم { وينصرك الله نصرا عزيزا } أي بسبب خضوعك لأمر الله D يرفعك الله وينصرك على أعدائك كما جاء في الحديث الصحيح : " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله D إلا رفعه الله تعالى " وعن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : ما عاقبت أحدا عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تبارك وتعالى وفيه