5 - إياك نعبد وإياك نستعين .
العبادة في اللغة : مأخوذة من الذلة يقال : طريق معبد وبعير معبد أي مذلل .
وفي الشرع : هي ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف وفدم المفعول وكرر للإهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين فالأول تبرؤ من الشرك والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله D وهذا المعنى في غير آية من القرآن : { فاعبده وتوكل عليه } { قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا } وتحول الكلام من الغيبة إلى الماجهة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضرر بين يدي الله تعالى فلهذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين } بكاف الخطاب وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك .
وإنما قدم { إياك نعبد } على { وإياك نستعين } لإن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والأصل أني يقدم ما هو الأهم فالأهم فإن قيل : فما معنى النون في ( نعبد ) و ( نستعين ) فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب : بأن المراد من بذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا يسما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير ( وإياك نبعد ) ألطف في التواضع من ( إياك عبدنا ) لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعل نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم : .
لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي .
وقد سمى رسوله صلى الله عليه وسلّم بعبده في اشرف مقاماته فقال : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } وقال : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه } وقال : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } فسماه عبدا عند إنزاله عليه وعند قيامه للدعوة وإسرائه به