7 - وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا .
- 8 - أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا .
- 9 - انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا .
- 10 - تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا .
- 11 - بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا .
- 12 - إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا .
- 13 - وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا .
- 14 - لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا .
يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم وإنما تعللوا بقولهم : { ما لهذا الرسول يأكل الطعام } يعنون كما نأكله ويحتاج إليه كما نحتاج إليه { ويمشي في الأسواق } أي يتردد فيها وإليها طلبا للتكسب والتجارة { لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا } يقولون : هلا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون له شاهدا على صدق ما يدعيه ؟ وهذا كما قال فرعون : { فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين } وكذلك قال هؤلاء على السواء تشابهت قلوبهم ولهذا قالوا { أو يلقى إليه كنز } أي علم كنز ينفق منه { أو تكون له جنة يأكل منها } أي تسير معه حيث سار وهذا كله سهل يسير على الله ولكن له الحكمة في ترك ذلك وله الحجة البالغة { وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } قال الله تعالى : { انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا } أي جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك من قولهم ساحر مجنون كذاب شاعر وكلها أقوال باطلة كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك ولهذا قال : { فضلوا } عن طريق الهدى { فلا يستطيعون سبيلا } وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى فإنه ضال حيثما توجه لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضا ثم قال تعالى مخبرا نبيه أنه إن شاء لآتاه خيرا مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن فقال : { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك } الآية . قال مجاهد : يعني في الدينا قال : وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصرا كبيرا كان أو صغيرا . قال سفيان الثوري عن خيثمة قيل للنبي صلى الله عليه وسلّم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها لم نعطه نبيا قبلك ولا نعطي أحدا من بعدك ولا ينقص ذلك مما لك عند الله . فقال : " اجمعوها لي في الآخرة " فأنزل الله D في ذلك : { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك } الآية .
وقوله تعالى : { بل كذبوا بالساعة } أي إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيبا وعنادا لا أنهم يطلبون ذلك تبصرا واسترشادا بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال { وأعتدنا } أي أرصدنا { لمن كذب بالساعة سعيرا } أي عذابا أليما حارا لا يطاق في نار جهنم وقوله : { إذا رأتهم } أي جهنم { من مكان بعيد } يعني في مقام المحشر قال السدي : من مسيرة مائة عام { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } أي حنقا عليهم كما قال تعالى : { إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور ... تكاد تميز من الغيظ } أي يكاد ينفصل بعضها من بعض من شدة غيظها على من كفر بالله . عن أبي وائل قال : خرجنا مع عبد الله بن مسعود ومعنا الربيع بن خيثم فمروا على حداد فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار وينظر الربيع بن خيثم إليها فتمايل الربيع ليسقط فمر عبد الله على أتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية : { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } فصعق يعني الربيع وحملوه إلى أهل بيته فرابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق Bه . وعن مجاهد بإسناده إلى ابن عباس قال : إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن : ما لك ؟ قالت : إنه يستجير مني فيقول أرسلوا عبدي وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول : يا رب ما كان هذا الظن بك فيقول : فما كان ظنك ؟ فيقول : أن تسعني رحمتك فيقول : أرسلوا عبدي وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف ( ذكره ابن جرير C في تفسيره وقال ابن كثير : إسناده صحيح ) . وقال عبيد بن عمير في قوله : { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه ترتعد فرائضه حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول : رب لا أسألك اليوم إلا نفسي ( أخرجه عبد الرزاق عن مجاهد عن عبيد بن عمير ) وقوله : { وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين } قال قتادة : مثل الزج في الرمح أي من ضيقه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن قول الله : { وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين } قال : " والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " . وقوله : { مقرنين } يعني مكتفين { دعوا هنالك ثبورا } أي بالويل والحسرة والخيبة { لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا } الآية . روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلقه وذريته من بعده وهو ينادي : يا ثبوراه وينادون : يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فيقول : يا ثبوراه ويقولون : يا ثبورهم فيقال لهم : { لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا } . عن ابن عباس : أي لا تدعوا اليوم ويلا واحدا وادعوا ويلا كثيرا وقال الضحاك : الثبور الهلاك والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار كما قال موسى لفرعون : { وإني لأظنك يا فرعون مثبورا } أي هالكا