- الحديث الخامس : قال عليه السلام : .
- " من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه " .
قلت : أخرجه مسلم ( 1 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " انتهى . وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلّم : يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك انتهى . والمصنف استدل بهذا الحديث على استحباب الحنث والتكفير لمن حلف على معصية ولم أجده بلفظ : ثم ليكفر إلا عند الإمام أبي محمد قاسم بن ثابت بن حازم السرقسطي في " كتاب غريب الحديث " فقال : أخبرنا أبو العلاء ثنا علي بن معبد ثنا الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني أبو القاسم الكوفي ثنا يزيد بن كيسان أبو إسماعيل عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رجلا أعتم عنده فسأل صبيته أمهم الطعام فقالت : حتى يجيء أبوكم فنام الصبية فجاء أبوهم فقال : اشتهيت الصبية فقالت : لا كنت أنتظر مجيئك فحلف أن لا يطعم ثم قال بعد ذلك : أيقظيهم وجيء بالطعام فسمى الله وأكل ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخبره بالذي صنع فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليأته ثم ليكفر عن يمينه " انتهى . قال السرقسطي : اشتهيت - أي أطعمتهم شهوتهم .
فائدة : المقصود الأعظم من هذا الحديث الدليل على جواز تقديم الكفارة على الحنث وعدم الجواز والأول مذهب الشافعي والثاني مذهبنا واستنباط ذلك من تتبع ألفاظه واختلاف رواياته فنقول : اعلم أن هذا الحديث روي من حديث أبي هريرة وعبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم روى عن كل منهم في لفظ : الحنث قبل الكفارة وفي لفظ : الكفارة قبل الحنث قاله أبو داود في " سننه " .
[ أحاديث مختلفة ] : .
- فحديث أبي هريرة : أخرجه مسلم ( 2 ) : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وفي لفظ له : فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير .
- وحديث عبد الرحمن : أخرجاه أيضا تقديم الكفارة على الحنث وانفرد البخاري بتقديم الحنث على الكفارة .
- وحديث أبي موسى : أخرجه البخاري ومسلم ( 3 ) عن أبي بردة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم . قال : إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وفي لفظ لهما : إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ووهم المنذري في " مختصر السنن " فقال : لم يذكره مسلم إلا باللفظ الأول - يعني تقديم الكفارة - بل ذكره باللفظ الآخر ولفظه : إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها وفي لفظ : فليأتها وليكفر وزاد في رواية قال : إني والله ما نسيتها .
- وحديث عدي بن حاتم : رواه مسلم أيضا ( 4 ) باللفظين فرواية تقديم الكفارة فيها حجة للشافعية لأنه معطوف بالفاء والفاء للتعقيب وعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أن ذلك يقتضي وجوب تقديم الكفارة على الحنث وهم لا يقولون به الثاني : أنهم معارضون برواية تقديم الحنث ولذلك عقد لها النسائي " باب الكفارة بعد الحنث " ( 5 ) وقد تقوى رواية تقديم الكفارة بفعل بعض الصحابة ( 6 ) أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وسلمان وأبي الدرداء كانوا يكفرون قبل الحنث وأخرج عن الحسن وابن سيرين نحوه الثالث : أنه عقب الجملتين والواو بينهما لا تقتضي ترتيبا كما قيل ذلك في " آية الوضوء " بقي الإشكال في رواية تقديم الكفارة مع العطف - بثم - وهذه الرواية وقعت في ثلاثة أحاديث : أحدها : من رواية عبد الرحمن بن سمرة والثاني : من رواية عائشة والثالث : من رواية أم سلمة .
- فحديث عبد الرحمن بن سمرة : رواه أبو داود والنسائي ( 7 ) قال أبو داود : حدثنا يحيى بن خلف وقال النسائي : حدثنا محمد بن يحيى القطعي كلاهما عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم : يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم آت الذي هو خير انتهى . وهذا سند صحيح .
- وحديث عائشة : أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 8 ) عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا حلف على يمين لا يحنث حتى أنزل الله تعالى كفارة اليمين فقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير انتهى . وقال : صحيح على شرط الشيخين وهذا في " البخاري " ( 9 ) عن عائشة أن أبا بكر كان إذا حلف إلى أخره بتقديم الحنث وعطف الكفارة بالواو .
- وحديث أم سلمة : أخرجه الطبراني في " معجمه " ( 10 ) عنها أن عبدا لها استعتقها فقالت : لا أعتقها الله من النار إن أعتقته فمكثت ما شاء الله ثم قالت : سبحان الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير فأعتقت العبد ثم كفرت عن يمينها " انتهى . وهذا فيه نظر لأنها قدمت الحنث وينبغي أن يراجع من نسخة أخرى وهذه الأحاديث معارضة بحديث تقديم الحنث مع العطف بثم وقد تقدم أو يقال : إن هذه الأحاديث تقتضي وجوب تقديم الكفارة وهم لا يقولون به والله أعلم وعجبت من البخاري ( 11 ) كيف ترجم في كتابه " باب الكفارة قبل الحنث " فذكر فيها حديث أبي موسى بلفظ : إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها وحديث عبد الرحمن بن سمرة بلفظ : فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك وكلاهما غير مطابق والرواية الأخرى عنده في الحديثين فلا يحتاج أن يشير إليها في " الترجمة " .
فائدة أخرى : وقع في مسلم عن أبي موسى أني لا أحلف على يمين أرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير من غير ذكر الكفارة وكذا فيه عن عدي بن حاتم : من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ويحمل ذلك على أحاديث الكفارة ولكن وقع عند أبي داود ( 12 ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها مختصر . قال أبو داود : الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلّم فيها : وليكفر عن يمينه إلا ما لا يعبأ به انتهى . ورواه البيهقي وقال : إنه لم يثبت قال : وعن أبي هريرة نحوه ولم يثبت أيضا انتهى .
_________ .
( 1 ) في " النذور - باب من ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا " ص 48 - ج 2 ، وعند البخاري في " الأيمان والنذور " عن عبد الرحمن بن سمرة ص 980 - ج 2 .
( 2 ) في " النذور والأيمان " ص 48 - ج 2 .
( 3 ) عند البخاري في " آخر النذور والأيمان " ص 995 - ج 2 ، اللفظ الآخر عنده في " باب الاستثناء في الأيمان " ص 994 - ج 2 ، وعند مسلم في " النذور والأيمان " ص 47 - ج 2 .
( 4 ) في " النذور والأيمان " ص 48 - ج 2 .
( 5 ) وقد أخرج الهيثمي عن معاوية بن الحكم السلمي وعن عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه وعن عبد الله بن عمرو قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير " ص 184 - ج 4 .
( 6 ) راجع النسائي في " النذور والأيمان - باب الكفارة بعد الحنث " ص 144 - ج 2 ، وأخرج فيه حديث عدي بن حاتم وأبي الأحوص عن أبيه وعبد الرحمن بن سمرة .
( 7 ) عند أبي داود في " الأيمان والنذور - باب الحنث إذا كان خيرا " ص 109 - ج 2 ، وعند النسائي في " باب الكفارة قبل الحنث " ص 144 - ج 2 .
( 8 ) في " الأيمان والنذور " ص 301 - ج 4 .
( 9 ) عند البخاري في " أوائل كتاب الأيمان والنذور " ص 980 - ج 2 .
( 10 ) وأخرجه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ص 185 - ج 4 ، كما في التخريج وقال : رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات إلا أن عبد الله بن حسن لم يسمع من أم سلمة انتهى .
( 11 ) قلت : غرض المخرج من هذا الكلام النقد على الإمام البخاري فإنه عقد ترجمة " باب الكفارة قبل الحنث وبعده " وأورد فيها حديث أبي موسى بلفظ : إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها : ص 994 - ج 2 ، وحديث عبد الرحمن بن سمرة بلفظ : فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك : ص 995 - ج 2 ، ولم يشر فيها إلى حديث أبي موسى المذكور قبيل هذا الباب : ص 994 - ج 2 ، بلفظ : إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وحديث عبد الرحمن بن سمرة المذكور في مبدأ " كتاب الأيمان والنذور " ص 980 - ج 2 ، وكان ينبغي أن يشير إليهما تحت هذه الترجمة للتطبيق والله أعلم .
( 12 ) " باب الحالف يستثني بعد ما يتكلم " ص 116 - ج 2