- الحديث الثلاثون : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : .
- " من أتى الجمعة فليغتسل " .
قلت : رواه البخاري . ومسلم من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من جاء الجمعة منكم فليغتسل " انتهى . وفي لفظ لهما ( 1 ) " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " انتهى . ورواه الترمذي . وابن ماجه بلفظ : " من أتى الجمعة فليغتسل " زاد البيهقي : " ومن لم يأتها فليس عليه غسل " قال النووي في " الخلاصة " : وسندها صحيح .
- حديث آخر دال على الوجوب رواه البخاري . ومسلم من حديث الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " انتهى .
- حديث آخر روى البخاري . ومسلم أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام " زاد البزار . والطحاوي ( 2 ) : وذلك يوم الجمعة " وأخرجه النسائي عن جابر بلفظ البزار . والطحاوي قال النووي في " الخلاصة " : إسناده على شرط مسلم .
- حديث آخر روى البخاري . ومسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل ولفظ مسلم : إذ دخل عثمان بن عفان فعرض به عمر فقال : ما بال رجال يتأخرون بعد النداء ؟ فقال عثمان : يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت فقال عمر : والوضوء أيضا ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل " انتهى .
- حديث آخر روى ابن الزبير عن عائشة Bها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يأمر بالغسل يوم الجمعة انتهى . رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والطحاوي وللناس عن هذه الأحاديث جوابان : أحدهما : أن يحمل الأمر فيها على الاستحباب لأن الأمر بالغسل ورد على سبب والسبب قد زال فيزول الحكم بزوال علته كما رواه البخاري . ومسلم من حديث يحيى بن سعيد : أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة فقالت : قالت عائشة : " كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم : لو اغتسلتم " وأخرج مسلم عن عروة عنهما ( 3 ) قالت : كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنسان منهم - وهو عندي - فقال عليه السلام : " لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا " وأخرج أبو داود عن عكرمة ( 4 ) أن أناسا من أهل العراق جاؤوا فقالوا : يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال : لا ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب وسأخبركم كيف بدأ الغسل : كان الناس مجهودين يلبسن الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلك الريح قال : " أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه " قال ابن عباس : ثم جاء الله تعالى بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق انتهى . ويؤيد ذلك أن عمر Bه لم ينكر على عثمان حين جاء إلى الجمعة من غير أن يغتسل فإنه فال : ما زدت على أن توضأت فكان ذلك بمحضر من الصحابة وإنما أنكر عليه تأخره وأما قوله : غسل الجمعة واجب فقال الخطابي : ( 5 ) معناه قوي في الاستحباب كما تقول : حقك علي واجب قال : ويدل عليه أنه قرنه بما لا يجب اتفاقا كما رواه مسلم في حديث الخدري أنه عليه السلام قال : " غسل الجمعة على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه " انتهى . يحمل مؤخر ما رواه مالك " يعني حديث : من أتى الجمعة فليغتسل " على الاستحباب وعلى النسخ انتهى . ومما يدل على أن هذا الحديث ناسخ لأحاديث الوجوب ما رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث الفضل بن المختار عن أبان بن أبي عياش عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " فلما كان الشتاء قلنا : يا رسول الله أمرتنا بالغسل للجمعة وقد جاء الشتاء ونحن نجد البرد ؟ فقال : " من اغتسل فبها ونعمت ومن لم يغتسل فلا حرج " انتهى . إلا أن هذا سند ضعيف يسد بغيره . الجواب الثاني : إن هذه الأحاديث منسوخة بحديث : " من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل " قال ابن الجوزي في " التحقيق " وفي هذا بعد إذ لا تاريخ معهم وأيضا فأحاديث الوجوب أصح وأقوى والضعيف لا ينسخ القوي انتهى . والى هذين الحوابين أشار صاحب الكتاب بقوله : وبهذا " يعني حديث : من توضأ فبها ونعمت " .
_________ .
( 1 ) للبخاري : ص 120 ، وأما مسلم فلم أجد فيه بل فيه : " إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل " .
( 2 ) حديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي في : ص 71 ، ولم أجد فيه الزيادة وإنما الزيادة في حديث جابر رواه الطحاوي : ص 69 ، ورواه النسائي : ص 204 ، كلاهما من طريق داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر وهذه الزيادة في حديث أبي هريرة عند ابن حزم في " المحلى " ص 20 - ج 2 ، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " ص 28 - ج 1 : سألت أبي عن حديث رواه داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلّم : غسل يوم الجمعة واجب في كل سبعة أيام ؟ قال أبي : هذا خطأ إنما هو على ما رواه الثقات عن أبي الزبير عن طاوس عن أبي هريرة موقوف اه .
( 3 ) ص 280 ، والبخاري أيضا : ص 123 .
( 4 ) أخرجه أبو داود في " الطهارة " في " باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة " ص 57 ، والحاكم في " المستدرك " في - الصلاة - في " باب الغسل يوم الجمعة " ص 280 - ج 1 ، وقال : صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي : ص 295 - ج 1 ، وضعفه ابن حزم في " المحلى " ص 12 - ج 2 ، وتعلق بعمرو بن أبي عمرو وهو من رجال الصحيحين ووثقه أبو زرعة . والعجلي قال أحمد : أبو حاتم لا بأس به .
( 5 ) أي في " معالم السنن " ص 106 - ج 1