- الحديث الأول : قال عليه السلام : .
- " البكر تستأمر في نفسها فإن سكتت فقد رضيت " .
قلت : غريب بهذا اللفظ وروى الأئمة الستة من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ( 1 ) قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " انتهى . وأخرج البخاري ومسلم ( 2 ) عن ذكوان مولى عائشة قالت : قلت : يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن ؟ قال : نعم قلت : فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت قال : سكوتها إذنها " انتهى . واللفظ للبخاري في " الإكراه " ولفظ مسلم : قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا ؟ قال : نعم تستأمر قلت : فإنها تستحي قال : ذلك إذنها إذا هي سكتت انتهى . وأخرج الجماعة - خلا البخاري - عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " الأيم أحق بنفسها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها " انتهى . وفي لفظ لمسلم ( 3 ) : الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها انتهى .
_________ .
( 1 ) قال ابن التركماني في " الجوهر النقي على هامش سنن البيهقي " ص 114 - ج 7 : وقوله صلى الله عليه وسلّم : " ولا تنكح البكر حتى تستأذن " دليل على أن البكر البالغة لا يجبرها أبوها ولا غيره قال شارح " العمدة " : وهو مذهب أبي حنيفة وتمسكه بالحديث قوي لأنه أقرب إلى العموم في لفظ البكر وربما يزاد على ذلك بأن يقال : الاستئذان إنما يكون في حق من له إذن ولا إذن للصغيرة فلا تكون داخلة تحت الارادة ويختص الحديث بالبالغات فيكون أقرب إلى التناول وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " لا تنكح البكر حتى تستأذن " وهو قول عام وكل من عقد على خلاف ما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو باطل وليس لأحد أن يستثنى من السنة إلا سنة مثلها فلما ثبت أن أبا بكر الصديق زوج عائشة من النبي صلى الله عليه وسلّم وهي صغيرة لا أمر لها كان ذلك مستثنى منه انتهى كلامه . وقوله عليه السلام في حديث ابن عباس : والبكر يستأذنها أبوها صريح في أن الأب لا يجبر البكر البالغ ويدل عليه أيضا حديث جرير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلّم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة الحديث فترك الشافعي منطوق هذه الأدلة واستدل بمفهوم حديث : الثيب أحق بنفسها قال : هذا يدل على أن البكر بخلافها قال ابن رشد : العموم أولى من المفهوم بلا خلاف لا سيما وفي حديث مسلم : البكر يستأمرها أبوها وهو نص في موضع الخلاف وقال ابن حزم : ما نعلم لمن أجاز على البكر البالغة إنكاح أبيها لها بغير أمرها متعلقا أصلا وذهب ابن جرير أيضا إلى أن البكر البالغة لا تجبر وأجاب عن حديث : الأيم أحق بنفسها بأن الأيم من لا زوج له رجلا أو امرأة بكرا أو ثيبا لقوله تعالى : { وانكحوا الأيامي منكم والصالحين } وكرر ذكر البكر بقوله : والبكر تستأذن وإذنها صماتها للفرق بين الاذنين . إذن الثيب وإذن البكر ومن أول الأيم بالثيب أخطأ في تأويله وخالف سلف الأمة وخلفها في إجازتهم لوالد الصغيرة تزويجها بكرا كانت أو ثيبا من غير خلاف وفي " التمهيد " ملخصا قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد : لا يجوز للأب أن يزوج بنته البالغة بكرا أو ثيبا إلا بإذنها والأيم التي لا بعل لها بكرا أو ثيبا فحديث : الأيم أحق بنفسها وحديث : لا تنكح البكر حتى تستأذن على عمومهما وخص منهما الصغيرة لقصة عائشة انتهى .
( 2 ) عند البخاري في " كتاب الاكراه " ص 1027 - ج 2 ، وعند مسم في " باب استئذان الثيب " ص 455 - ج 1 .
( 3 ) وفي لفظ لمسلم : " الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها "