- الحديث السادس والعشرون : روي أن النبي عليه السلام .
- لما صلى الركعتين عاد إلى الحجر فاستلمه .
قلت : في " موطأ مالك " ( 1 ) أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا قضى طوافه وركع الركعتين فأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج انتهى . هو في حديث جابر الطويل ( 2 ) ولنذكره برمته فإنه عمدة في مناسك الحج أخرجه مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت : أنا محمد بن علي بن الحسين فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب فقال : مرحبا بك يا ابن أخي سل عما شئت فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفا بها كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها ورداؤه إلى جنبه على المشجب فصلى بنا فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال بيده فعقد تسعا فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلّم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر وأرسلت إلى النبي عليه السلام كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدى بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنهم شيئا منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلبيته قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول : ولا أعلم ذكره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الركعتين { قل هو الله أحد } و { قل يا أيها الكافرون } ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي رمل حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد وقدم علي من اليمين ببدن النبي عليه السلام فوجد فاطمة Bها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت : إن أبي أمرني بهذا قال : فكان علي يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال : صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال : فإن معي الهدي فلا تحل قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي Bه من اليمين والذي أتى به النبي عليه السلام مائة قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي عليه السلام ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس فأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله A حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : .
إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس ابن عبد المطلب فإنه موضوع كله واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله A حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله A وقد شنق ( 3 ) للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى : أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى حبلا من الحبال ( 4 ) أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله A حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله A مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله A يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله A يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتي بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك طريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله A فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منها انتهى . ورواه ابن حبان في .
صحيحه " في النوع الثاني من القسم الخامس ورواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار والدارمي في " مسانيدهم " قال ابن حبان : والحكمة في أن النبي عليه السلام نحر بيده ثلاثا وستين بدنة أنه كانت له يومئذ ثلاث وستون سنة فنحر لكل سنة من سنيه بدنة وأمر عليا بالباقي فنحرها والله أعلم انتهى .
_________ .
( 1 ) عند مالك في " باب الاستلام في الطواف " ص 142 .
( 2 ) عند مسلم : ص 394 ، وعند أبي داود في " باب صفة حجة النبي A " ص 262 - ج 1 ، والدارمي : ص 234 .
( 3 ) قوله : شنق - بتخفيف النون بعد الشين - أي ضم وضيق الزمام .
( 4 ) الحبال هنا - بالحاء المهملة المكسورة - جمع حبل وهو التل اللطيف من الرمل الضخم - كذا في النووي - [ البجنوري ]