( تابع ... 6 ) : - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة : طرفان . ووسط فالطرف الأول قول ... .
- الآثار في ذلك : - فمنها ما رواه البيهقي في " الخلافيات " . والطحاوي في " كتابه " من حديث عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه قال : صليت خلف عمر Bه فجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " . وكان أبي ( 69 ) يجهر بها انتهى . وهذا الأثر مخالف للصحيح الثابت عن عمر : أنه كان لا يجهر كما رواه أنس وقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أيضا عدم الجهر وروى الطحاوي ( 70 ) بإسناده عن أبي وائل قال : كان عمر . وعلي لا يجهران " ببسم الله الرحمن الرحيم " . فإن ثبت هذا عن عمر فيحمل أي أنه فعله مرة أو بعض أحيان لأحد الأسباب المتقدمة والله أعلم .
ومنها ما أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر . وعمر . وعثمان . وعليا كانوا يجهرون " ببسم الله الرحمن الرحيم " . انتهى . وهذا باطل وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي أجمعوا على ترك الاحتجاج به قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : كذاب ذاهب الحديث وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات لا يحل الاحتجاج به وقال النسائي : متروك الحديث .
ومنها ما أخرجه الخطيب أيضا عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن أبيه قال : صليت خلف علي بن أبي طالب وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلهم يجهرون " ببسم الله الرحمن الرحيم " . وهذا أيضا لا يثبت وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليا ولا صلى خلفه قط والحمل فيه على ابنه يعقوب فقد ضعفه غير واحد من الأئمة قال أحمد بن حنبل : منكر الحديث وقال أبو زرعة . وابن معين : ضعيف ومشاه ابن عدي فقال : يكتب حديثه وأما شيخ الخطيب فيه فهو أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الأهوازي ويعرف بابن أبي علي فقد تكلموا فيه وذكروا أنه كان يركب الأسانيد ونقل الخطيب ( 71 ) عن أحمد بن علي الجصاص قال : كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني " جراب الكذب " .
ومنها ما أخرجه الخطيب أيضا من طريق الدارقطني عن الحسن بن محمد بن عبد الواحد ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح بن نبهان قال : صليت خلف أبي سعيد الخدري . وابن عباس . وأبي قتادة . وأبي هريرة فكانوا يجهرون " ببسم الله الرحمن الرحيم " . وهذا أيضا لا يثبت والحسن بن الحسين هو العربي إن شاء الله وهو شيعي ضعيف أو هو حسين بن الحسن الأشقر وانقلب اسمه وهو أيضا شيعي ضعيف أو هو مجهول وإبراهيم بن أبي يحيى فقد رمي بالرفض والكذب وصالح بن نبهان مولى التوءمة وقد تكلم فيه مالك . وغيره من الأئمة وفي إدراكه للصلاة خلف أبي قتادة نظر وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي صلى الله عليه وسلّم . وأصحابه لأن الشيعة ترى الجهر وهم أكذب الطوائف فوضعوا في ذلك أحاديث وكان أبو علي بن أبي هريرة أحد أعيان أصحاب الشافعي يرى ترك الجهر بها ويقول : الجهر بها صار من شعار الروافض وغالب أحاديث الجهر نجد في روايتها من هو منسوب إلى التشيع .
ومنها ما أخرجه الخطيب أيضا عن محمد بن أبي السري ثنا المعتمر عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال : صليت خلف عبد الله بن الزير فكان يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " . وقال : ما يمنع أمراءكم أن يجهروا بها إلا الكبر انتهى . قال ابن عبد الهادي : إسناده صحيح لكنه يحمل على الإعلام بأن قراءتها سنة فإن الخلفاء الراشدين كانوا يسرون بها فظن كثير من الناس أن قراءتها بدعة فجهر بها من جهر من الصحابة ليعلموا الناس أن قراءتها سنة لا أنه فعله دائما وقد ذكر ابن المنذر عن ابن الزبير ترك الجهر فالله أعلم وأما أقوال التابعين في ذلك فلست بحجة مع أنها قد اختلفت فروى عن غير واحد منهم الجهر وروي عن غير واحد منهم تركه وفي بعض الأسانيد إليهم الضعفة والاضطراب ويمكن حمل جهر من جهر منهم على أحد الوجوه المتقدمة والواجب في مثل هذه المسألة الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال وقد نقل بعض من جمع في هذه المسألة الجهر عن غير واحد من الصحابة . والتابعين . وغيرهم والمشهور عنهم غيره كما نقل الخطيب الجهر عن الخلفاء الراشدين الأربعة ونقله البيهقي . وابن عبد البر عن عمر . وعلي المشهور عنهم تركه كما ثبت ذلك عنهم قال الترمذي في ترك الجهر : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة : منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وغيرهم من بعدهم من التابعين وبه يقول سفيان الثوري . وابن المبارك . وأحمد . وإسحاق وكذلك قال ابن عبد البر : لم يختلف في الجهر بها عن ابن عمر وهو الصحيح عن ابن عباس قال : ولا أعلم إن اختلف في الجهر بها عن ابن عمر . وشداد بن أوس . وابن الزبير وقد ذكر الدارقطني . والخطيب عن ابن عمر عدم الجهر كذلك روى الطحاوي . والخطيب . وغيرهما عن ابن عباس عدم الجهر وكذلك ذكر ابن المنذر عن ابن الزبير عدم الجهر وذكر ابن عبد البر . والخطيب عن عكرمة الجهر وذكر الأثرم عنه عدمه وذكر الخطيب . وغيره عن ابن المبارك . وإسحاق الجهر وذكر الترمذي عنهما تركه كما تقدم وذكر الأثرم عن إبراهيم النخعي أنه قال : ما أدركت أحدا يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " . والجهر بها بدعة وذكر الطحاوي عن عروة قال : أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا " بالحمد لله رب العالمين " وقال وكيع : كان الأعمش . وابن أبي خالد . وابن أبي ليلى . وسفيان . والحسن بن صالح . وعلي بن صالح . ومن أدركنا من مشيختنا لا يجهرون " ببسم الله الرحمن الرحيم " . وروى سعيد بن منصور في " سننه " حدثنا خالد عن حصين عن أبي وائل قال : كانوا يسرون البسملة والتعوذ في الصلاة حدثنا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير أن الحسن سئل عن الجهر بالبسملة فقال : إنما بفعل ذلك الأعراب حدثنا عتاب بن بشير ثنا خصيف عن سعيد بن جبير قال : إذا صليت فلا تجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " . واجهر " بالحمد لله رب العالمين " .
ملخص ما قاله صاحب " التنقيح " ذكر الأحاديث التي استدل بها الشافعية ثم قال : هذه الأحاديث في الجملة لا تحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث الصحيحة ولولا أن يعرض للمتفقه شبهة عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى ويكفي في ضعفها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها وقد ذكر الدارقطني منها طرفا في " سننه " فبين ضعف بعضها وسكت عن بعضها وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني .
( 72 ) لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر فصنف فيه جزءا فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك فقال : كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم في الجهر فليس بصحيح وأما عن الصحابة : فمنه صحيح . وضعيف ثم تجرد الإمام أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر فأزري على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف وقد بينا عللها وخللها ثم إنا بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين : إما أن يكون جهر بها للتعليم أو جهر بها جهرا يسيرا يسمعه من قرب منه والمأموم إذا قرب منه الإمام أو حاذاه سمع ما يخافته ولا يسمى ذلك جهرا كما ورد أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانا . والثاني : أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر فقد روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " وكان مسيلمة يدعى - رحمن اليمامة - فقال أهل مكة : إنما يدعو إله اليمامة فأمر الله رسوله بإخفائها فما جهر بها حتى مات فهذا يدل على نسخ الجهر قال : ومنهم من سلك في ذلك مسلك البحث والتأويل فقال : إن أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء : أحدها : بكثرة الرواة فإن أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة : أنس بن مالك . وعبد الله بن المغفل وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابيا . والثاني : أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي وأحاديث الجهر شهادة على إثبات والإثبات مقدم على النفي كما تقدم قول بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم في البيت على قول أسامة . وغيره : إنه لم يصل قالوا : وبأن أنسا قد روى عنه إنكار ذلك في الجملة فروى أحمد .
( 73 ) والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد .
( 74 ) أبي مسلمة .
( 75 ) قال : سألت أنسا أكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ " بسم الله الرحمن أو الحمد لله رب العالمين ؟ " قال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه أو ما سألني عنه أحد قبلك قال الدارقطني : إسناده صحيح قلنا : أما اعتراضهم بكثرة الرواة فالاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين وأحاديث الجهر ليس فيه صحيح صريح بخلافه حديث الإخفاء فإنه صحيح صريح ثابت مخرج في الصحاح . والمسانيد المعروفة . والسنن المشهورة مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة وهو قول ضعيف لبعد احتمال الغلط على العدد الأكثر ولهذا جعلت الشهادة على الزنا أربعة لأنه أكبر الحدود وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه وهو حديث ضعيف ؟ كحديث : الطير .
( 76 ) . وحديث الحاجم والمحجوم .
( 77 ) وحديث : من كنت مولاه فعلي مولاه .
( 78 ) بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا وإنما ترجح بكثرة الرواة إذا كانت الرواة محتجا بهم من الطرفين كترجيح الائمة رواية من روى عن الزهري حديث : المجامع .
( 79 ) وذكرهم الترتيب وتعليق الحكم على الجماع على رواية من روى عنه التخيير وترتيب الحكم على مجرد الفطر من غير ذكر الجماع وأحاديث الجهر ليست مخرجة في الصحاح . ولا المسانيد المشهورة ولم يروها إلا الحاكم . والدارقطني فالحاكم عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة والدارقطني فقد ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة . والشاذة . والمعللة وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره وأما الشهادة على النفي فهي وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات بخلاف حديث بلال مع أن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال : فالأكثرون على تقديم الإثبات قالوا : لأن المثبت معه زيادة علم وأيضا فالنفي يفيد التأكيد لدليل الأصل والإثبات يفيد التأسيس والتأسيس أولى . الثاني : أنهما سواء قالوا : لأن النافي موافق للأصل وأيضا فالظاهر تأخير النافي عن المثبت إذ لو قدر مقدما عليه لكانت فائدته التأكيد لدليل الأصل وعلى تقدير تأخيره يكون تأسيسا فالعمل به أولى . القول الثالث : أن النافي مقدم على المثبت وإليه ذهب الآمدي . وغيره وقد قدم جماعة من الحذاق : منهم البيهقي النفي على الإثبات في حديث ماعز وأنه عليه السلام صلى عليه كما رواه البخاري في " صحيحه .
( 80 ) " من حديث جابر ورواه أحمد .
( 81 ) . وأصحاب السنن وقالوا فيه : ولم يصل عليه وصححه الترمذي وهو الصواب والله أعلم وأما جمعهم بين الأحاديث بأنه لم يسمعه لبعده وأنه كان صبيا يومئذ فمردود لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين ومات وله عشرون سنة فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر ؟ هذا بعيد بل مستحيل ثم قد روى هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر . وعمر وكهل في زمان عثمان مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث ؟ وقد روى أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه رواه النسائي . وابن ماجه .
( 82 ) قال النووي في " الخلاصة " : إسناده على شرط البخاري . مسلم وأما ما روي من إنكار أنس فلا يقاوم ما يثبت عنه خلافه في الصحيح ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره وقد وقع مثل ذلك كثيرا كما سئل يوما عن مسألة قال : عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا وكم ممن حدث ونسي ويحتمل أنه سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها والله أعلم .
ملخص ما قاله الحازمي في " الناسخ والمنسوخ .
( يتبع ... )