- الحديث الثالث : روي عن ابن المسيب أنه عليه السلام بدأ باليهود في " القسامة " وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم .
قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قاال : كانت القسامة في الجاهلية فأقرها النبي صلى الله عليه وسلّم في قتيل من الأنصار وجد في جب لليهود قال : فبدأ رسول الله باليهود فكلفهم قسامة خمسين فقالت اليهود : لن نحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم للأنصار : أفتحلفون ؟ فأبت الأنصار أن تحلف فأغرم رسول الله صلى الله عليه وسلّم اليهود ديته لأنه قتل بين أظهرهم انتهى . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معمر به وكذلك رواه الواقدي في " المغازي - في غزوة خيبر " حدثني معمر به .
- أحاديث الباب : فيه أحاديث مسندة وأحاديث مرسلة .
فالمسند منها ما أخرجه البخاري في " الديات " ومسلم في " الحدود " ( 1 ) عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال : ما تقولون في القسامة ؟ قالوا : القود بها حق الحديث بطوله إلى أن قال - يعني الأنصار - فقالوا : يا رسول الله صاحبنا كان يتحدث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحط في الدم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : بمن تظنون ؟ قالوا : نرى أن اليهود قتلته فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال : أنتم قتلتم هذا ؟ قالوا : لا قال : أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه ؟ فقالوا : ما يبالون أن يقتلوه أجمعين ثم ينفلون قال : أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم ؟ قالوا : ما كنا لنحلف فوداه E من عنده مختصر .
- حديث آخر : أخرجه البخاري في " الديات " ( 2 ) عن سعيد بن عبيد الله عن بشير بن يسار أن سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلا وقالوا للذين وجد فيهم : قتلتم صاحبنا ؟ قالوا : ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال لهم : تأتوني بالبينة ( 3 ) على من قتله ؟ قالوا : ما لنا ببينة قال : فيحلفون ؟ قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة انتهى . وفيه نظر - أعني أنه يحتاج إلى تأمل - .
- حديث آخر : أخرجه البخاري وأبو داود ( 4 ) عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لليهود وبدأ بهم : يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار : استحلفوا ؟ قالوا : نحلف على الغيب يا رسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلّم دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم انتهى . قال المنذري : قيل للشافعي : ما منعك على أن تأخذ بحديث ابن شهاب ؟ قال : مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم انتهى .
- حديث آخر : أخرجه الطبراني في " معجمه " عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن يهود قتلت محيصة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم اليهود لقسامتهم فأمرهم أن يحلفوا خمسين يمينا خمسين رجلا أنهم برآء من قتله فنكلت يهود عن الأيمان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني حارثة فأمرهم أن يحلفوا خمسين يمينا خمسين رجلا أن يهود قتلته غيلة ويستحقون بذلك الذي يزعمون فنكلت بنو حارثة عن الأيمان فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم قضى بعقله على يهود لأنه وجد بين أظهرهم وفي ديارهم انتهى . وفيه عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وسيأتيان في حديث الجمع بين الدية والقسامة .
- المراسيل : فيه عن المسيب وعن الحسن وعن عمر بن عبد العزيز .
- فحديث ابن المسيب : تقدم .
- وأما حديث الحسن : فرواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو نعيم الفضل بن دكين عن الحسن أنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلّم بدأ بيهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار فأبوا أن يحلفوا فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم العقل على يهود انتهى .
- وأما حديث عمر بن عبد العزيز : فرواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر أن في كتاب عمر بن عبد العزيز : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في القتيل يوجد بين ظهراني ديار أن الأيمان على المدعى عليهم فإن نكلوا أحلف المدعون واستحقوا فإن نكل الفريقان كانت الدية بينهما نصفين انتهى .
- أثر : رواه مالك عن ابن شهاب عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب بدأ بالمدعى عليهم في القسامة بالأيمان أخرجه البيهقي وغيره ( 5 ) .
_________ .
( 1 ) عند البخاري في " القسامة " ص 1019 - ج 2 ، وعند مسلم فيها : ص 57 ، مختصرا .
( 2 ) عند البخاري في " القسامة " ص 1019 - ج 2 ، وأخرجه مسلم أيضا : ص 56 - ج 2 .
( 3 ) قال صاحب " الجوهر النقي " ص 120 - ج 8 ، وأخرج أبو داود بسند حسن عن رافع بن خديج قال : أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر فانطلق أولياؤه إلى النبي A فذكروا ذلك له فقال : ألكم شاهدان يشهدان على قاتل صاحبكم ؟ إلى قوله : قال : فاختاروا منهم خمسين فاستحلفهم فأبوا الحديث وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن القاسم بن عبد الرحمن الهذلي الكوفي قال : انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب فوجدوا قد صدر عن البيت فقال : إن ابن عم لنا قتل ونحن إليه شرع سواء في الدم وهو ساكت عنهما فقال : شاهدان ذوا عدل يحثان به على من قتله فتقيدكم منه وهذا هو الذي تشهد له الأصول الشرعية من أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فكان الوجه ترجيح هذه الأدلة على ما يعارضها انتهى .
( 4 ) عند أبي داود في " القسامة - في باب ترك القود بالقسامة " ص 266 - ج 2 ، ولم أجده في البخاري وقال الحافظ ابن حجر في " الدراية " : وروى أبو داود من طريق الزهري اه فعلم أنه ليس في البخاري .
( 5 ) قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ص 261 - ج 6 : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح انتهى . وعند البيهقي في " السنن - في القسامة " ص 125 - ج 8