وأما حديث ابن عباس : فرواه الحاكم أيضا ( 7 ) من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر ابن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب الخلق إليه وكنت أجتهد في المجوسية أوقد النار لا أتركها تخمد أبدا اجتهادا في ديني فأرسلني أبي يوما إلى ضيعة له في بعض عمله فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم وهم يصلون فدخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون فأعجبني ما رأيت من دينهم ورغبت عن ديني فلما رجعت إلى أبي أخبرته الخبر فأخافني وجعل في رجلي قيدا وحبسني في بيت أياما ثم أخبرت بقوم من النصارى خرجوا تجارا إلى الشام قال : فألقيت القيد من رجلي وخرجت معهم حتى قدمت الشام فسألت عن الأسقف من النصارى فدلوني عليه في كنيسة لهم فجئت إليه وخدمته ولازمته وكنت أصلي معه فلم يلبث أن مات - وكان رجل سوء - يأمرهم بالصدقة فإذا جمعوا له شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعط المساكين منه شيئا فلما جاءوا ليدفنوه أخبرتهم بخبره ودللتهم على موضع كنزه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضة فصلبوه ورجموه بالحجارة ثم جاءوا بآخر فوضعوه مكانه قال : فما رأيت أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب في العبادة ليلا ونهارا منه فلم يلبث أن حضرته الوفاة فسألته فأوصى بي إلى رجل بنصيبين فلحقت به فلازمته فوجدته على أمر صاحبه فلم يلبث أن حضرته الوفاة فسألته فأوصى بي إلى رجل في عمورية من أرض الروم فلحقت به ولازمته فوجدته على هدى أصحابه فلم يلبث أن حضرته الوفاة فسألته فقال لي : والله يا بني ما أعلم أصبح اليوم على أمرنا أحد من الناس ولكنه قد أظلك زمن نبي يخرج بأرض العرب يبعث بدين إبراهيم به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات ودفن قال : فمكثت بعمورية ما شاء الله ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقري وغنمي ؟ وقد اكتسبت بقرا وغنما فقالوا : نعم فأعطيتهم وحملوني حتى إذا قدموا بي على وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي فكنت عنده ما شاء الله إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه وحملني إلى المدينة فأقمت بها وبعث الله رسوله بمكة فأقام بها ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة فذهبت إليه فدخلت عليه فقلت له : بلغني أنك رجل صالح وأصحابك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء عندي للصدقة رأيتكم أحق به ثم قربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه : كلوا وأمسك يده ولم يأكل فقلت في نفسي : هذه واحدة ومضيت ثم جئته من الغد ومعي شيء آخر فقلت له : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمر أصحابه فأكلوا قال : فقلت في نفسي : هاتان ثنتان قال : ثم جئته يوما وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدبرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فعرف الذي أريد فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه فقبلته ثم تحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي فأعجبه وكان يعجبه أن يسمعه أصحابه ثم قال لي : يا سلمان كاتب عن نفسك قال : فكاتبت مولاتي عن نفسي بثلثمائة نخلة وأربعين أوقية ورجعت إليه فأخبرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه : أعينوا أخاكم فجعل الرجل منهم يعينني بثلاثين ودية والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشر والرجل بقدر ما عنده حتى جمعوا لي ثلثمائة ودية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم معي فجعلت أقرب له الودى وهو يغرسه بيده قال : وبقي علي المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب . فقال لي : يا سلمان خذ هذه فأدها بما عليك فقلت : يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي ؟ قال : خذها فإنها ستؤدي عنك قال سلمان : فوالذي نفس سلمان بيده لقد وزنت لهم منها بيدي أربعين أوقية وأوفيتهم حقهم وعتق سلمان وششهدت الخندق حرا ثم لم يفتني مشهد مختصر من كلام طويل ورواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " وابن سعد في " الطبقات ( 8 ) في ترجمة سلمان " ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام " في كتاب الأموال " مختصرا بالإسناد المذكور عن سلمان قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بطعام وأنا مملوك فقلت له : هذا صدقة فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل ثم أتيته بطعام آخر فقلت هذا هدية لك أكرمك به فإني لا أراك تأكل الصدقة فأمر أصحابه أن يأكلوا وأكل معهم انتهى . وكان هذا الإسناد داخلا في - مسند سلمان - والله أعلم .
_________ .
( 1 ) " في المستدرك - في مناقب سلمان الفارسي " ص 599 - ج 3 .
( 2 ) في " المستدرك - في الفضائل " ص 603 - ج 3 .
( 3 ) لم أجد هذه الرواية في النسخة المطبوعة من " الدلائل " وفيها سقطات وغلطات .
( 4 ) قوله : سف الخوص من سف الخوص أي نسجها كما في " النهاية " .
( 5 ) قوله : التقط الخلال - يعني البسر أول إدراكه - واحدتها خلالة - بالفتح - انتهى .
( 6 ) في " المستدرك - في البيوع " ص 16 - ج 2 .
( 7 ) قلت : وجدته في " المستدرك - في البيوع " ولكن لا بهذا الطول .
( 8 ) قلت : لم أجد في ابن سعد في " ترجمة سلمان الفارسي " بهذا السياق والله أعلم