- الحديث السادس والأربعون : روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قبل هدية سلمان حين كان عبدا .
قلت : روي من حديث سلمان ومن حديث بريدة .
- أما حديث سلمان : فله طرق : منها ما أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والثلاثين من القسم الخامس عن عبد الله بن رجاء ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي قرة الكندي عن سلمان قال : كان أبي من الأساورة وكنت أختلف إلى الكتاب وكان معي غلامان إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس فأدخل معهما فلم أزل أختلف إليه معهما حتى صرت أحب إليه منهما وكان يقول لي : يا سلمان إذا سألك أهلك من حبسك ؟ فقل : معلمي وإذا سألك معلمك من حبسك ؟ فقل : أهلي فلم يلبث أن حضرته الوفاة فلما مات - واجتمع إليه الرهبان والقسيسون - سألتهم فقلت : يا معشر القسيسين دلوني على عالم أكون معه قالوا : ما نعلم في الأرض أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس وإن انطلقت الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس قال : فانطلقت فإذا أنا بحمار فجلست عنده حتى خرج فقصصت عليه القصة فقال : اجلس حتى أرجع إليك قال : فلم أره إلى الحول وكان لا ياتي بيت المقدس إلا في السنة مرة في ذلك الشهر فلما جاء قلت له : ما صنعت في أمري ؟ قال : وأنت إلى الآن ههنا بعد ؟ قلت : نعم قال : والله لا أعلم اليوم أحدا أعلم من يتيم خرج في أرض تهامة وإن تنطلق الآن توافقه وفيه ثلاثة أشياء : يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وعند غضروف كتفه اليمين خاتم النبوة مثل البيضة لونه لون جلده قال : فانطلقت ترفعني أرض وتخفضني أخرى حتى أصابني قوم من الأعداء فأخذوني فباعوني حتى وقعت بالمدينة فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلّم وكان العيش عزيزا فسألت قومي أن يهبوا لي يوما ففعلوا فانطلقت فاحتطبت فبعته بشيء يسير ثم صنعت به طعاما واحتملته حتى جئت به فوضعته بين يديه فقال عليه السلام : ما هذا ؟ قلت : صدقة فقال لأصحابه : كلوا وأبى هو أن يأكل فقلت في نفسي : هذه واحدة ثم مكثت ما شاء الله ثم استوهبت قومي يوما آخر ففعلوا فانطلقت فاحتطبت فبعته بأفضل من ذلك فصعنت طعاما وأتيته به فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية فقال بيده : بسم الله كلوا فأكل وأكلوا معه وقمت إلى خلفه فوضع رداءه عن كتفه فإذا خاتم النبوة كأنه بيضة قلت : أشهد أنك رسول الله قال : وما ذاك ؟ فحدثته حديثي ثم قلت : يا رسول الله القس الذي أخبرني أنك نبي أيدخل الجنة ؟ قال : لن تدخل الجنة إلا نفس مسلمة قلت : إنه زعم أنك نبي قال : لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة انتهى .
- طريق آخر : أخرجه الحاكم في " المستدرك ( 1 ) - في كتاب الفضائل " عن علي بن عاصم ثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن زيد بن صوحان أنه سأل سلمان كيف كان بدء إسلامك ؟ فقال سلمان : كنت يتيما من رامهرمز فذكره مطولا إلى أن قال : فقال لي - يعني الراهب الذي لازمه سلمان - يا سلمان إن الله D باعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم وهذا زمانه فقد تقارب قال : فخرجت في طلبه فكلما سألت عنه قالوا لي : أمامك حتى لقيني ركب من كلب فأخذوني فأتوا بي بلادهم باعوني لامرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذت شيئا من تمر حائطي فجعلته على شيء وأتيته فوضعته بين يديه وحوله أصحابه وأقربهم إليه أبو بكر فقال : ما هذا ؟ قلت : صدقة فقال للقوم : كلوا ولم يأكل ثم لبثت ما شاء الله وذهبت فصنعت مثل ذلك فلما وضعته بين يديه قال : ما هذا ؟ قلت : هدية فقال : بسم الله وأكل وأكل القوم ودرت خلفه ففطن لي فألقى ثوبه فرأيت الخاتم في ناحية كتفه الأيسر ثم درت فجلست بين يديه قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال : من أنت ؟ قلت : مملوك قال : لمن ؟ قلت : لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها فسألني فحدثته جميع حديثي فقال عليه السلام لأبي بكر : يا أبا بكر اشتره فاشتراني أبو بكر فأعتقني مختصر وقال : حديث صحيح ولم يخرجاه قال الذهبي في " مختصره " : بل مجمع على ضعفه ثم أخرجه الحاكم ( 2 ) عن عبد الله بن عبد القدوس عن عبيد المكتب حدثني أبو الطفيل حدثني سلمان فذكره بزيادات ونقص وقال : صحيح الإسناد قال الذهبي : وابن عبد القدوس ساقط انتهى .
- طريق آخر : رواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " ( 3 ) في الباب التاسع عشر حدثنا عبد الله ابن محمد بن جعفر ثنا القاسم بن فورك ثنا عبد الله بن أخي زياد ثنا سيار بن حاتم ثنا موسى بن سعيد الراسبي أبو معاذ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمان الفارسي قال : ولدت برامهرمز ونشأت بها وكان أبي من أهل أصبهان وكان لأمي غنى وعيش قال : فأسلمتني أمي إلى الكتاب فكنت أنطلق إليه في كل يوم مع غلمان فارس وكان في طريقنا جبل فيه كهف فمررت يوما وحدي فإذا أنا فيه برجل طوال عليه ثياب شعر فأشار إلي فدنوت منه فقال لي : أتعرف المسيح عيسى ابن مريم ؟ قلت له : لا ولا سمعت به قال : هو روح الله من آمن به أخرجه الله من غم الدنيا إلى نعيم الآخرة وقرأ علي شيئا من الإنجيل قال : فعلقه قلبي ودخلت حلاوة الإنجيل في صدري وفارقت أصحابي وجعلت كلما ذهبت ورجعت قصدت نحوه إلى أن قال : فخرجت إلى القدس فلما دخلت بيت المقدس إذا أنا برجل في زاوية من زواياه عليه المسوح قال : فجلست إليه وقلت له : أتعرف فلانا الذي كان بمدينة فارس ؟ فقال لي : نعم أعرفه وأنا انتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي قلت : كيف وصفه لك ؟ قال : وصفه لي فقال : إنه نبي الرحمة يقال له : محمد بن عبد الله يخرج من جبال تهامة يركب الحمار والبغلة الرحمة في قلبه وجوارحه يكون الحر والعبد عنده سواء ليس للدنيا عنده مكان بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة الحمامة مكتوب في باطنه الله وحده لا شريك له وفي ظاهره توجه حيث شئت فإنك منصور يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ليس بحقود ولا حسود لا يظلم مؤمنا ولا كافرا فمن صدقه ونصره كان يوم القيامة معه في الأمر الذي يعطاه قال سلمان : فقمت من عنده وقلت : لعلي أقدر على هذا الرجل فخرجت من بيت المقدس غير بعيد فمر بي أعراب من كلب فاحتملوني إلى يثرب وسموني ميسرة قال : فباعوني لامرأة يقال لها : حليسة بنت فلان - حليف لبني النجار - بثلثمائة درهم وقالت لي : سف هذا الخوص ( 4 ) واسع على بناتي قال : فمكثت على ذلك ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة فسمعت به وأنا في أقصى المدينة ألتقط الخلال ( 5 ) فجئت إليه أسعى حتى دخلت عليه في بيت أبي أيوب الأنصاري فوضعت بين يديه شيئا من الخلال فقال لي : ما هذا ؟ قلت : صدقة قال : إنا لا نأكل الصدقة فرفعته من بين يديه ثم تناولت من إزاري شيئا آخر فوضعته بين يديه فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية فأكل منه وأطعم من حوله ثم نظر إلي فقال لي : أحر أنت أم مملوك ؟ قلت : مملوك قال : فلم وصلتني بهذه الهدية ؟ قلت : كان لي صاحب من أمره كيت وكيت وذكرت له قصتي كلها فقال لي : إن صاحبك كان من الذين قال الله في حقهم : { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا : آمنا به } الآية ثم قال لي عليه السلام : هل رأيت في ما قال لك ؟ قلت : نعم إلا شيئا بين كتفيك قال : فألقى عليه السلام رداءه عن كتفه فرأيت الخاتم مثل ما قال فقبلته ثم قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم قال عليه السلام لعلي بن أبي طالب : يا علي اذهب مع سلمان إلى حليسة فقل لها : إن رسول الله يقول لك : إما أن تبيعينا هذا وإما تعتقيه فقد حرمت عليك خدمته فقلت : يا رسول الله إنها لم تسلم قال : يا سلمان ألم تدر ما حدث بعدك عليها دخل عليها ابن عم لها فعرض عليها الإسلام فأسلمت .
قال سلمان : فانطلقت إليها أنا وعلي بن أبي طالب فوافيناها تذكر محمدا صلى الله عليه وسلّم وأخبرها علي بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت له : اذهب إليه فقل له : يا رسول الله إن شئت فاعتقه وإن شئت فهو لك قال : فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصرت أغدو إليه وأروح وتعولني حليسة مختصر ثم رواه من طريق أخرى مرسلة فقال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعد ثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن سلمان كان قد خالط أناسا من أصحاب دانيال بأرض فارس قبل الإسلام فسمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصفته منهم فإذا في حديثهم : يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فأراد أن يلحق به فسجنه أبوه ما شاء الله ثم هلك أبوه ثم خرج إلى الشام فكان هناك في كنيسة ثم خرج يلتمس رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذه أهل يتماء فاسترقوه ثم قدموا به إلى المدينة فباعوه ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ بمكة لم يهاجر فلما هاجر إلى المدينة أتاه سلمان بشيء فقال له : ما هذا يا سلمان ؟ قال : صدقة فلم يأكل عليه السلام منه ثم جاءه من الغد بشيء آخر فقال له : ما هذا يا سلمان ؟ قال : هدية فأكل عليه السلام منه ونظر سلمان إلى خاتم النبوة بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلّم فأكب عليه وقبله ثم أسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم أنه عبد مملوك فقال له : كاتبهم يا سلمان فكاتبهم سلمان على مائتي ودية فرماه الأنصار من ودية ووديتين حتى أوفاهم انتهى . وهذا مرسل .
- وأما حديث بريدة : فأخرجه الحاكم في " المستدرك ( 6 ) - في كتاب البيوع " عن زيد بن الحباب ثنا حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن سلمان الفارسي لما قدم المدينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمائدة عليها رطب فقال له : ما هذا يا سلمان ؟ قال : صدقة تصدقت بها عليك وعلى أصحابك قال : إنا لا نأكل الصدقة حتى إذا كان من الغد جاء بمثلها فوضعها بين يديه فقال : يا سلمان ما هذا ؟ قال : هدية فقال : كلوا وأكل ونظر إلى الخاتم في ظهره ثم قال له : لمن أنت ؟ قال : لقوم قال : فاطلب إليهم أن يكاتبوك على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم وتقوم عليها أنت حتى تطعم قال : ففعلوا فجاء النبي صلى الله عليه وسلّم فغرس ذلك النخل كلها بيده وغرس عمر منها نخلة فأطعمت كلها في السنة إلا تلك النخلة فقال رسول الله A : من غرس هذه ؟ فقالوا : عمر فغرسها رسول الله A بيده فحملت من سنتها انتهى . ورواه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي والبزار في " مسانيدهم " قال الحاكم : حديث صحيح على شرط مسلم وقال البزار : لا نعلمه يروى إلا عن بريدة عن النبي A ورواه الطبراني في " معجمه " .
( يتبع ... )