- الحديث الثالث والأربعون : قال عليه السلام : .
- " استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر فيه " .
قلت : روي من حديث أنس . ومن حديث أبي هريرة . ومن حديث بن عباس .
- أما حديث أنس فرواه الدارقطني في " سننه " حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا أحمد بن علي الأبار ثنا علي بن الجعد عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " انتهى . ثم قال : المحفوظ مرسل انتهى . وأبو جعفر متكلم فيه قال ابن المديني : كان يخلط وقال أحمد : ليس بقوي وقال أبو زرعة : يهم كثيرا .
- وأما حديث أبي هريرة فرواه الدارقطني أيضا من حديث أزهر بن سعد السمان عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك ( 1 ) " من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أكثر عذاب القبر من البول " انتهى . وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة ولم يخرجاه .
- وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني في " معجمه " والدارقطني ( 2 ) ثم البيهقي في " سننهما " والحاكم في " مستدركه ( 3 ) " وسكت عنه كلهم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه " انتهى . قلت : قال الدارمي عن ابن معين : أبو يحيى القتات ثقة وقال أحمد بن سنان القطان عنه أبو يحيى في الكوفيين مثل ثابت في البصريين وقال عباس عنه : في حديثه ضعف وقال أحمد : روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدا وقال النسائي : ليس بالقوي وقال ابن عدي : يكتب حديثه على ما فيه قوله : روي عن أنس أنه قال في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها : ينزح منها عشرون دلوا قوله : وروي عن أبي سعيد الخدري أنه فال في الدجاجة إذا ماتت في البئر : ينزح منها أرعون دلوا قلت : قال شيخنا علاء الدين : رواهما الطحاوي من طرق وهذان الأثران لم أجدهما في " شرح الآثار " - للطحاوي " ولكنه أخرج عن حجاج ثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان أنه قال في دجاجة وقعت في البئر فماتت قال : ينزح منها قد أربعين دلوا أو خمسين انتهى . والشيخ لم يقلد غيره في ذلك قوله : روي عن ابن عباس . وابن الزبير Bهما أفتيا بنزح البئر كلها حين مات زنجي في بئر زمزم قلت : هذه القصة رواها ابن سيرين . وعطاء . وعمرو بن دينار . وقتادة . وأبو الطفيل فرواية ابن سيرين أخرجها الدارقطني في " سننه " ( 4 ) حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد عن أحمد بن منصور عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام عن محمد بن سيرين أن زنجيا وقع في زمزم " يعني فمات " فأمر به ابن عباس فأخرج وأمر بها أن تنزح قال : فغلبتهم عين جاءت من الركن قال : فأمر بها فدست بالقباطي والمطارق حتى نزحزها فلما نزحوها انفجرت عليهم انتهى . قال البيهقي في " المعرفة " : وابن سيرين عن ابن عباس : مرسل ( 5 ) لم يلقه ولا سمع منه وإنما هو بلاغ بلغه انتهى . وأما رواية عطاء فرواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 6 ) والطحاوي في " شرح الآثار " ( 7 ) حدثنا هشيم ثنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير : حسبكم انتهى . وأما رواية عمرو بن دينار فأخرجها البيهقي في " كتاب المعرفة " من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار أن زنجيا وقع في زمزم فمات فأمر به ابن عباس فأخرج وسدت عيونها ثم نزحت انتهى . قال : وابن لهيعة ( 8 ) لا يحتج به وأما رواية قتادة فرواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا عبد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس أن زنجيا وقع في زمزم فمات فأنزل إليه رجلا فأخرجه ثم قال : انزحوا ما فيها من ماء انتهى . وقال البيهقي : في " المعرفة " : وقتادة عن ابن عباس مرسل لم يلقه ولا سمع منه . وإنما هو بلاغ بلغه انتهى . وأما رواية أبي الطفيل فرواها البيهقي من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن ابن عباس فذكره قال : ورواه جابر مرة أخرى عن أبي الطفيل نفسه أن غلاما وقع في زمزم فنزحت لم يذكر فيه ابن عباس وهذه الرواية عند الدارقطني ( 9 ) قال البيهقي : وجابر الجعفي لا يحتج به ( 10 ) واعتمد البيهقي في تضعيف هذه القصة بأثر رواه عن سفيان بن عيينة فقال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الوليد الفقيه عن عبد بن شرويه قال : سمعت أبا قدامة يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أن بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا : إنه وقع في زمزم ولا سمعت أحدا يقول : نزحت زمزم ثم أسند عن الشافعي أنه قال : لا يعرف هذا عن ابن عباس وكيف يروي ( 11 ) ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم : الماء لا ينجسه شيء ( 12 ) ويتركه وإن كان قد فعل فلنجاسة ظهرت على وجه الماء ونزحها للتنظيف لا للنجاسة فإن زمزم للشرب انتهى . وأجاب بعض الأصحاب : بأن عدم علمها لا يصلح دليلا ثم أنهما لم يدركا ذلك الوقت بينهما وبينه قريب من مائة وخمسين سنة وكان إخبار من أدرك الواقعة وأثبتها أولى من قولهما وقول النووي أيضا : كيف يصل ( 13 ) هذا الخبر إلى أهل الكوفة ويجهله أهل مكة وسفيان بن عيينة كبير أهل مكة معارض بقول الشافعي لأحمد : أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا فإذا كان الخبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا فهلا قال : كيف يصل هذا إلى أولئك ويجهله أهل الحرمين ؟ .
_________ .
( 1 ) ص 183 - ج 1 ، والدارقطني في " سننه " ص 47 من طريق أبي عوانة الخ وقال صحيح .
( 2 ) ص 47 ، وقال : لا بأس به .
( 3 ) ص 183 .
( 4 ) ص 10 ، والبيهقي : ص 266 .
( 5 ) محمد بن سيرين من أروع الناس في منطقه ومراسيله من أصح المراسيل كذا في " منهاج السنة " ص 186 - ج 3 وفي " التمهيد لابن عبد البر " مراسيل ابن سيرين صحاح كذا في " الجوهر " ص 266 ، قال شعبة : عن خالد الحذاء كل شيء قال محمد : نبئت عن ابن عباس إنما سمعه عن عكرمة لقيه أيام المختار كذا في " التهذيب " قلت بعد أن عرفت الواسطة : وهو ثقة فلا ضير كان الحديث محتجا به .
( 6 ) ص 108 .
( 7 ) ص 10 ، بإسناد صحيح .
( 8 ) صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك . وابن وهيب عنه أعدل من غيرهما وله في " مسلم " بعض شيء مقرون اه " تقريب " .
( 9 ) ص 10 ، والطحاوي : ص 10 .
( 10 ) وثقه سفيان . وشعبة قال ابن عدي : حسن الحديث راجع له " الجوهر " ص 266 - ج 1 .
( 11 ) هذا استبعاد بعد وضوح الطرق ويبعد عن مثل هذا الإمام أن يقول به كيف وحديث " الماء لا ينجسه شيء " إن بلغه بطريق لا يقوم به الحجة عليه كان لا سوغ له أن يحكم على ابن عباس أنه رواه وسمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم وإن بلغه بطريق يقوم به الحجة عليه فإذن لا فرق بينه وبين ابن عباس في وجوب العمل ثم الشافعي يحكم بنجاسة كثير من المياه فحديث لم يمنع الشافعي أن يحكم بنجاسة الماء إذا وقعت فيه نجاسة كيف يمنع ابن عباس عن مثله ؟ والعجب أن حديث " الماء من الماء " رواه أبي C ثم أفتى بخلافه فاستدل الشافعي بفتواه على نسخ الحديث حيث قال : ثم لا أحسبه تركه ابن عباس أيضا مع أن عموم حديث الماء لا ينجسه شيء منسوخ عند الشافعي أيضا .
( 12 ) حديث ابن عباس هذا أخرجه الحاكم في " المستدرك " ص 159 - ج 1 .
( 13 ) هذا أيضا استبعاد أمر ثابت بالدليل بلا دليل ثم نقول : لا عزو فيه وأمثاله كثيرة كما أن خبر - جهر التأمين ووضع اليدين على الصدر - اللذين يعم بهما مرارا في يوم وليلة بمرأى من الناس ومشهد وصل إلى أهل مكة من طريق سفيان وهو من أهل الكوفة وجهله أهل الكوفة . وأهل المدينة ومالك كبيرهم وأحاديث - فتح مكة عنوة - وقتاله عليه السلام ثم أمانه إلا نفرا - وخطبته رخصة القتال له خاصة في ساعة من النهار وصلت إلى البلاد وخفيت على بعض أهل مكة . وهو كبيرهم وأمثال هذا كثيرة