- الحديث الثالث : قال عليه السلام : .
- " من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين " .
قلت : روي من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عباس .
- فحديث أبي هريرة : أخرجه أصحاب السنن الأربعة والترمذي ( 1 ) عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة والباقون عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين انتهى . قال : الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه وبالسند الثاني رواه الحاكم في " المستدرك - في كتاب الأحكام " وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " وأحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " وبسند الترمذي أيضا رواه أحمد والبزار والدارقطني .
- وأما حديث ابن عباس : فأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن داود بن الزبرقان عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : من استقضى فقد ذبح بغير سكين انتهى . قال ابن عدي : لا أعرف هذا الحديث عن عطاء بن السائب إلا من حديث داود بن الزبرقان عنه وأسند تضعيفه - أعني داود عن النسائي وابن معين .
- قوله : وقد جاء في التحذير من القضاء آثار وقد اجتنبه أبو حنيفة Bه وصبر على الضرب واجتنبه كثير من السلف وقيد محمد نيفا وثلاثين يوما أو نيفا وأربعين يوما حتى تقلده : قلت : فيه حديث أبي ذر ( 2 ) أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال له : يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم أخرجه مسلم ووهم الحاكم في " المستدرك " فرواه وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انتهى . وفيه حديث : من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين وقد تقدم قبله .
- وحديث بريدة : أخرجه أبو داود ( 3 ) عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " القضاة ثلاثة : اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار " انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك - في الأحكام " وزاد فيه : قالوا يا رسول الله فما ذنب هذا الذي يجهل ؟ قال : ذنبه أن لا يكون قاضيا حتى يعلم وقال فيه : حديث صحيح على شرط مسلم انتهى .
- حديث آخر : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " عن عمران بن الحطان عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : يدعى بالقاضي العادل يوم القيامة فليقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره انتهى .
- حديث آخر : أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 4 ) عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ليوشكن الرجل أنه يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئا انتهى . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
- حديث آخر : أخرجه الحاكم أيضا ( 5 ) عن سعدان بن الوليد عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : من ولي على عشرة فحكم بينهم بما أحبوا أو كرهوا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فإن حكم بما أنزل الله ولم يرتش في حكمه ولم يجف فك الله عنه يوم لا غل إلا غله وإن حكم بغير ما أنزل الله وارتشى في حكمه وحابى فيه شدت يساره إلى يمينه ثم رمى به في جهنم وسكت عنه ثم قال : وسعدان بن الوليد البجلي كوفي قليل الحديث ولم يخرجاه عنه .
- حديث آخر : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن معمر بن سليمان عن عبد الملك ابن أبي جميلة عن عبد الله بن وهب عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : من كان قاضيا عالما فقضى بالجور كان من أهل النار ومن كان قاضيا فقضى بجهل كان من أهل النار ومن كان قاضيا عالما فقضى بعدل فبالحري أن ينقلب كفافا انتهى . قال أبو حاتم في " علله " عبد الملك هذا مجهول وعبد الله بن وهب أرى ابن موهب الرملي انتهى .
- حديث آخر : روى الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا محمود بن خالد الدمشقي ثنا سويد بن عبد العزيز ثنا يسار أبو الحكم عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أبي ذر وبشر بن عاصم Bهما أنهما قالا لعمر بن الخطاب وقد أراد أن يستعمل بشر بن عاصم على عمل : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : من ولي شيئا من أمر المسلمين أتى به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنا نجا وإن كان مسيئا انخرق به الجسر فهوي فيه سبعين خريفا انتهى .
- الآثار : روى النسائي في " كتاب الكنى " أخبرنا الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران ثنا أبو عبد الله محمد بن بكار ثنا أبو عبد الرحمن يحيى بن حمزة أخبرني الوليد بن أبي السائب أنه سمع مكحولا يقول : لو خيرت بين ضرب عنقي وبين القضاء لاخترت ضرب عنقي انتهى .
- أثر آخر : روى ابن سعد في " الطبقات " ( 6 ) - في ترجمة أبي الدرداء " أخبرنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن يزيد عن يحيى بن سعيد قال : استعمل أبو الدرداء على القضاء فأصبح الناس يهنونه فقال : أتهنونني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له انتهى ( 7 ) .
_________ .
( 1 ) عند الترمذي في " الأحكام " ص 170 - ج 1 ، وعند أبي داود في طلب القضاء " ص 147 - ج 2 ، بكلا السندين وفي " المستدرك - في الأحكام - باب من جعل قاضيا فكأنما ذبح بغير سكين " ص 91 - ج 4 ، وعند الدارقطني في " الأحكام " ص 511 عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي هريرة وعن عثمان بن محمد الأخنسي عن الأعرج والمقبري عن أبي هريرة .
( 2 ) في " المستدرك - في الأحكام " ص 91 - ج 4 ، قلت : ذكره مسلم في " الامارة - باب كراهة الامارة بغير ضرورة " 121 - ج 2 .
( 3 ) عند أبي داود في " أوائل القضاء " ص 147 - ج 2 ، وفي " المستدرك - في الأحكام - باب قاضيان في النار وقاض في الجنة " ص 90 - ج 4 .
( 4 ) في " المستدرك - في الأحكام " ص 91 - ج 4 .
( 5 ) في " المستدرك - في الأحكام " ص 103 - ج 4 .
( 6 ) عند ابن سعد في " ترجمة أبي الدرداء " ص 117 - ج 7 - الجزء الثاني منه - وتمامه : لو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصا عليه انتهى .
( 7 ) قال ابن الهمام في " الفتح " ص 460 - ج 5 : وأما ما في البخاري . " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل " الحديث . فلا ينافي مجيئه أولا : " مغلولة يده في عنقه إلى أن يفكها عدله فيظله الله تعالى في عدله " فلا يعارض انتهى . قلت : يشهد لهذا ما أخرجه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ص 192 - ج 4 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح انتهى . قال ابن الهمام في " الفتح " ص 460 - ج 5 ، وقد اجتنبه أبو حنيفة وصبر على الضرب والسجن حتى مات في السجن وقال : البحر عميق فكيف أعبره بالسباحة ؟ فقال أبو يوسف : البحر عميق والسفينة وثيق والملاح عالم فقال أبو حنيفة : فكأني بك قاضيا اه