35959 - { أيضا } عن الحسن البصري قال : أتيت مجلسا في جامع البصرة فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر وما فتح الله عليهما من الإسلام وحسن سيرتهما فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي جالس معهم فسمعته يقول : .
أخرجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فجعلناه معنا واكتسينا منها فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأتينا ابنه عبد الله بن عمر وهو جالس في المسجد فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .
فقال عبد الله : إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباسا لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبسه ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البزة ( البزة : - بالكسر - : الهيئة . المختار 38 ب ) التي كان يعهدنا فيها فقام يسلم علينا على رجل رجل ويعانق منا رجلا رجلا حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك فقدمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية .
فعرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر فذاقه عمر فوجده طيب الطعم طيب الريح فأقبل علينا بوجهه وقال : والله يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام ثم أمر به فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المهاجرين الأنصار .
ثم إن عمر قام منصرفا فمشى وراء ؟ ؟ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أثره فقالوا : ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار إلى زهد هذا الرجل وإلى حليته ؟ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا مذ فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر وطرفي المشرق والمغرب ووفود العرب والعجم يأتونه فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة فلو سألتم معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم والسابقين من المهاجرين والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب لين يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكله ومن حضره من المهاجرين والأنصار .
فقال القوم بأجمعهم : ليس لهذا القول إلا علي ابن أبي طالب فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنته أو ابنته حفصة فإنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكلموا عليا فقال علي : لست بفاعل ذلك ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه .
قال الأحنف بن قيس : فسألوا عائشة وحفصة وكانتا مجتمعتين فقالت عائشة : إني سائلة أمير المؤمنين ذلك وقالت حفصة : ما أراه يفعل وسيبين لك ذلك .
فدخلنا [ فدخلتا ؟ ؟ ] على أمير المؤمنين فقربهما وأدناهما فقالت عائشة : يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أكلمك ؟ قال : تكلمي يا أم المؤمنين قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مضى لسبيله إلى جنته ورضوانه لم يرد الدنيا ولم ترده وكذلك مضى أبو بكر على أثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقتل الكذابين وأدحض حجة المبطلين بعد عدله في الرعية وقسمه بالسوية وأرضى رب البرية فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلّم بالرفيع الأعلى لم يرد الدنيا ولم ترده وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما ودانت لك طرفا المشرق المغرب ونرجو من الله المزيد وفي الإسلام التأييد ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون عليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك ويغدى عليك بجفنة من الطعام ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار .
فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا ثم قال : سألتك بالله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شبع من خبز بر عشرة أيام أو خمسة أو ثلاثة أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله ؟ فقالت : لا .
فأقبل على عائشة فقال : هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض ؟ كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فترفع قالتا : اللهم نعم .
فقال لهما : أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعلي خاصة ولكن أتيتماني وترغباني في الدنيا وإني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبس جبة من الصوف فربما رق جلده من خشونتها أتعلمان ذلك ؟ قالتا : اللهم نعم .
قال : فهل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة ؟ وكان مسحا ( مسحا : المسح - بوزن الملح - البلاس وهو ثوب من الشعر غليظ . المختار 494 . ب ) في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطا وبالليل فراشا فندخل عليه فنرى أثر الحصير على جنبه ألا يا حفصة أنت حدثتيني أنك ثنيت له ذات ليلة فوجد لينها فرقد عليه فلم يستيقظ إلا بأذان بلال فقال لك : يا حفصة ماذا صنعت ؟ أثنيت لي المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح ؟ مالي وللدنيا ومالي شغلتموني لين الفراش .
يا حفصة أما تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ أمسى جائعا ورقد ساجدا ولم يزل راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه لا أكل عمر طيبا ولا لبس لينا فله أسوة بصاحبيه ولا جمع بين الأدمين إلا الملح والزيت ولا أكل لحما إلا في كل شهر حتى ينقضي ما انقضى من القوم .
فخرجنا [ فخرجتا ؟ ؟ ] فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يزل كذلك حتى لحق بالله D .
( كر )