من أهل مكة فقد ذكر الواحدي أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله تعالى فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت الآية وبعض فسره باليهود وحكى أنهم كانوا يضربون في الأرض ويصيبون الأموال والمؤمنون في عناء فنزلت وإلى ذلك ذهب الفراء والقول الأول أظهر وأياما كان فالجملة مسوقة لتسلية المؤمنين وتصبيرهم ببيان قبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا إثر بيان حسن ما سينالونه من الثواب الجزيل والنعيم المقيم وقرأ يعقوب برواية رويس وزيد ولا يغنك بالنون الخفيفة متاع قليل خبر مبتدأ محذوف أي هو يعنى \ ي تقلبهم متاع قليل وقلته إما بإعتبار قصر مدته أو بالقياس إلى ما فاتهم مما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب وفيما رواه مسلم مرفوعا ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فينظر بم ترجع وقيل : إن وصف ذلك المتاع بالقلة بالقياس إلى مؤنة السعي وتحمل المشاق فضلا عما يلحقه من الحساب والعقاب في دار الثواب ولا يخفى بعده ثم مأواهم أي مصيرهم الذي يأوون إليه ويستقرون فيه بعد إنتقالهم من الأماكن التي يتقلبون فيها .
جهنم التي لا يوصف عذابها وبئس المهاد 791 أي بئس ما مهدوا لأنفسهم وفرشوا جهنم وفيه إشارة إلى أن مصيرهم إلى تلك الدار مما جنته أنفسهم وكسبته أيديهم .
لكن الذين أتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لكن للإستدراك عند النحاة وهو رفع توهم ناشيء من السابق وعند علماء المعاني لقصر القلب ورد إعتقاد المخاطب وتوجيه الآية على الأول أنه لما وصف الكفار بقلة نفع تقلبهم في التجارة وتصرفهم في البلاد لأجلها جاز أن يتوهم متوهم أن التجارة من حيث هي مقتضية لذلك فأستدرك أن المتقين وإن أخذوا في التجارة لا يضرهم ذلك وأن لهم ما وعدوا به أو يقال إنه تعالى لما جعل تمتع المتقلبين قليلا مع سعة حالهم أوهم ذلك أن المسلمين الذين لا يزالون في الجهد والجوع في متاع في كمال القلة فدفع بأن تمتعهم للإتقاء وللإجتناب عن الدنيا ولا تمتع من الدنيا فوقه لأنه وسيلة إلى نعمة عظيمة أبدية هي الخلود في الجنات وعلى الثاني رد لإعتقاد الكفرة أنهم متمتعون من الحياة والمؤمنون في خسران عظيم وعلل بعض المحققين جعل التقوى في حيز الصلة بالإشعار بكون الخصال المذكورة من باب التقوى والمراد بها الإتقاء عن الشرك والمعاصي والموصول مبتدأ والظرف خبره و جنات مرتفع به على الفاعلية لإعتماده على المبتدأ أو مرتفع بالإبتداء والظرف خبره والجملة خبر المبتدأ و خالدين حال مقدرة من الضمير المجرور في لهم أو من جنات لتخصيصها بجملة الصفة والعامل ما في الظرف من معنى الإستقرار وقرأ أبو جعفر لكن بتشديد النون نزلا من عند الله النزل بضمتين وكذا التزل بضم فسكون ما يعد للضيف أول نزوله من طعام وشراب وصلة قال الضبي : وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا ويستعمل بمعنى الزاد مطلقا ويكون جمعا بمعنى النازلين كما في قول الأعشى .
أو ينزلون فإنا معشر نزل .
وقد جوز ذلك أبو علي في الآية وكذا يجوز أن يكون مصدرا قيل : وأصل معنى النزل مفردا الفضل والريع في الطعام ويستعار للحاصل عن الشيء ونصبه هنا إما على الحالية من جنات لتخصيصها بالوصف والعامل فيه ما في