على الصحيح بل اقتصارا و ما هنا من الأول فيجوز مع أنه جوز الإقتصار بعضهم ويكفي للتخريج مثله .
وذكر العلامة الطيبي أن حذف أحد المفعولين في هذا الباب مذهب الأخفش وظاهر صنيع البعض يفهم منه تقديره مضمرا أي ولا يحسبنهم الذين قتلوا والمراد لا يحسبن أنفسهم واعترضه أبو حيان بشيء آخر أيضا وهو أن فيه تقديم المضمر على مفسره وهو محصور في أماكن ليس هذا منها ورده السفاقسي بأنه وإن لم يكن هذا منها لكن عود الضمير على الفاعل لفظا جائز لأنه مقدم معنى وتعدى أفعال القلوب إلى ضمير الفاعل جائز وقد ظن السيرافي وغيره على جواز ظنه زيد منطلقا وظنهما الزيدان منطلقين وهذا نظيره ما ذكره هذا البعض فالإعتراض عليه في غاية الغرابة ثم المراد من توجيه النهي إلى المقتولين تنبيه السامعين على أنهم أحقاء بأن يتسلوا بذلك ويبشروا بالحياة الأبدية والنعيم المقيم لكن لا في جميع أوقاتهم بل عند ابتداء القتل إذ بعد تبين حالهم لهم لا تبقى لاعتبار تسليتهم وتبشيرهم فائدة ولا لتنبيه السامعين وتذكيرهم وجه قاله شيخ الإسلام .
وقيل هو نهي في معنى النفي وقد ورد ذلك وإن قل أو هو نهي عن حسباتهم أنفسهم أمواتا في وقت ما وإن كانوا وقت الخطاب عالمين بحياتهم وقرىء ولا تحسبن بكسر السين وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين بل أحياء أي بل هم أحياء مستمرون على ذلك وقرىء بالنصب وخرجه الزجاج على أنه مفعول لمحذوف أي بل أحسبهم أحياء ورده الفارسي بأن الأمر يقين فلا يؤمر فيه بحسبان وإضمار غير فعل الحسبان كاعتقدهم أو اجعلهم ضعيف إذ لا دلالة عليه على أن تقدير اجعلهم قال فيه أبو حيان إنه لا يصح البتة سواء جعلته بمعنى أخلقهم أو صيرهم أو سمهم أو ألفهم نعم قال السفاقسي يصح إذا كان بمعنى اعتقدهم لكن يبقى حديث عدم الدلالة على حاله وأجاب الجلبي بأن عدم الدلالة اللفظية مسلم لكن إذا أرشد المعنى إلى شيء قدر من غير ضعف وإن كانت دلالة اللفظ أحسن وقال العلامة الثاني لا منع من الأمر بالحسبان لأنه ظن لا شك والتكليف بالظن واقع لقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار أمرا بالقياس وتحصيل الظن وقال بعضهم المراد اليقين ويقدر أحسبهم للمشاكلة ولا يخفى أنه تعسف لأن الحذف في المشاكلة لم يعهد عند ربهم في محل رفع على أنه خبر ثان للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو في محل نصب على أنه حال من الضمير في أحياء وجوز أبو البقاء كونه ظرفا له أو للفعل الذي بعده و عند هنا ليست للقرب المكاني لاستحالته ولا بمعنى في علمه وحكمه كما تقول هذا عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه كذا لعدم مناسبته للمقام بل بمعنى القرب والشرف أي ذوو زلفى ورتبة سامية وزعم بعضهم أن معنى في علم الله تعالى مناسب للمقام لدلالته على التحقق أي إن حياتهم متحققة لا شبهة فيها ولا يخفى أن المقام مقام مدح فتفسير العندية بالقرب أنسب به .
وفي الكلام دلالة على التحقق من وجوه أخر وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم مزيد تكرمة لهم يرزقون صفة لأحياء أو حال من الضمير فيه أو في الظرف وفيه تأكيد لكونهم أحياء وقد تقدم الكلام في حياتهم على أتم وجه والقول بأن أرواحهم تتعلق بالأفلاك والكواكب فتلتذ بذلك وتكتسب زيادة كمال قول هابط إلى الثري ولا أظن القائل به قرع سمعه الروايات الصحيحة والأخبار الصريحة بل لم يذق طعم الشريعة الغراء ولا تراءى له منهج المحجة البيضاء وخبر القناديل لا ينور كلامه ولا يزيل ظلامه