والنجاة وجدا معا وهو لا يدل على السببية وأما الثاني فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد أسبابه فإن صح ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه فإن أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء وأنفسكم أعز عليكم وأمرها أهم لديكم وقيل متعلق الصدق ما صرح به من قولهم لو أطاعونا ما قتلوا والمعنى أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين وحينئذ يكون فادرءوا الخ استهزاءا بهم أي إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا كما درأتم بزعمكم هذا السبب الخاص وفي الكشاف روى أنه مات يوم قالوا هذه المقالة منهم سبعون منافقا بعدد من قتل بأحد .
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا أخرج الإمام أحمد وجماعة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا ياليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا وفي لفظ وقالوا من يبلغ إخواننا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل هؤلاء الآيات .
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهما عن جابر بن عبدالله قال لقيني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا جابر مالي أراك منكسرا فقلت يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالا ودينا فقال ألا أبشرك بما لقي الله تعالى به أباك قلت بلى قال ما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحا وقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال الرب تعالى قد سبق مني أنهم لا يرجعون قال أي ربي فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى هذه الآية ولا تنافي بين الروايتين لجواز أن يكون كلا الأمرين قد وقع وأنزل الله تعالى الآية لهما والأخبار متضافرة على نزولها في شهداء أحد وفي رواية ابن المنذر عن إسحق بن أبي طلحة قال حدثني أنس في أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذين أرسلهم النبي E إلى بئر معونة وساق الحديث بطوله إلى أن قال وحدثني أن الله تعالى أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعدما قرأناه زمانا فأنزل الله تعالى ولا تحسبن الخ .
ومن هنا قيل إن الآية نزلت فيهم وأنت تعلم أن الخبر ليس نصا في ذلك وزعم بعضهم أنها نزلت في شهداء بدر وادعى العلامة السيوطي أن ذلك غلط وأن آية البقرة هي النازلة فيهم وهي كلام مستأنف مسوق إثر بيان أن الحذر لا يسمن ولا يغني لبيان أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون منه ليس مما يحذر بل هو من أجل المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون والخطاب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو لكل من يقف على الخطاب مطلقا .
وقيل من المنافقين الذين قالوا لو أطاعونا وقعدوا وإنما عبر عن اعتقادهم بالظن لعدم الإعتداد به وقرىء يحسبن بالياء التحتانية على الإسناد إلى ضمير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو ضمير من يحسب على طرز ما ذكر في الخطاب وقيل إلى الذين قتلوا والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة أي ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا .
واعترضه أبو حيان بأنه إنما يتمشى على رأي الجمهور فإنهم يجوزون هذا الحذف لكنه عندهم عزيز جدا ومنعه إبراهيم بن ملكون الإشبيلي البتة وما كان ممنوعا عند بعضهم عزيزا عند الجمهور ينبغي أن لا يحمل عليه كلام الله تعالى وفيه أن هذا من باب التعصب لأن حذف أحد المفعولين في باب الحسبان لا يمنع اختصارا