التمسك بمثل هذا الدليل في مثل هذا المطلب في غاية السقوط وأجيب عن متمسك أبي الهذيل بأن عدم القتل إنما يتصور على تقدير علم الله تعالى بأنه لا يقتل وحينئذ لا نسلم لزوم المحال وبأنه لا إستحالة في قطع الأجل المقدر الثابت لولا القتل لأنه تقرير للمعلوم لا تغيير له وعن متمسك الكعبي المخالف للمعتزلة والأشاعرة في إثبات الأجلين بأن القتل قائم بالقاتل وحال له لا للمقتول وإنما حاله الموت وإنزهاق الروح الذي هو بإيجاد الله تعالى وإذنه ومشيئته وإرادة المقتولية المتولدة عن قتل القاتل بالقتل وهي حال المقتول إذ هي بطلان الحياة والتخصيص بما لا يكون على وجه القتل على ما يشعر به أفئن مات أو قتل خلاف مذهبه من إنكار القضاء والقدر في أفعال العباد إذ بطلان الحياة المتولد من قتل القاتل أجل قدره الله تعالى وعينه وحدده ومعنى الآية كما أشرنا إليه أفئن مات حتف أنفه بلا سبب أو مات بسبب القتل فتدل على أن مجرد بطلان الحياة موت ومن هنا قيل : إن في المقتول معنيين قتلا هو من فعل الفاعل وموتا هو من الله تعالى وحده وذهبت الفلاسفة إلى مثل ما ذهب إليه الكعبي من تعدد الأجل فقالوا : إن للحيوان أجلا طبيعيا بتحلل رطوبته وإنطفاء حرارته الغريزيتين وآجالا إخترامية تتعدد بتعدد أسباب لا تحصى من الأمراض والآفات وبيانه أن الجواهر التي غلبت عليها الأجزاء الرطبة ركبت مع الحرارة الغريزية فصارت لها بمنزلة الدهن للفتيلة المشعلة وكلما أنتقصت تلك الرطوبات تبعتها الحرارة الغريزية في ذلك حتى إذا أنتهت في الإنتقاص وتزايد الجفاف إنطفأت الحرارة كإنطفاء السراج عند نفاذ دهنه فحصل الموت الطبيعي وهو مختلف بحسب إختلاف الأمزجة وهو في الإنسان في الأغلب تمام مائة وعشرين سنة .
وقد يعرض من الآفات مثل البرد المجمد والحرب المذوب وأنواع السموم وأنواع تفرق الإتصال وسوء المزاج ما يفسد البدن ويخرجه عن صلاحه لقبول الحياة إذ شرطها إعتدال المزاج فيهلك بسبه وهذا هو الأجل الإخترامي ويرد ذلك أنه مبني على قواعدهم من تأثير الطبيعة والمزاج وهو باطل عندنا إذ لا تأثير إلا له سبحانه وتلك الأمور عندنا أسباب عادية لا عقلية كما زعموا وأدعى بعض المحققين أن النزاع بيننا وبين الفلاسفة كالنزاع بيننا وبين المعتزلة على رأي الأستاذلفظي إذ هم لا ينكرون القضاء والقدر فالوقت الذي علم الله تعالى بطلان الحياة فيه بأي سبب كان واحد عندهم أيضا وما ذكروه من الأجل الطبيعي نحن لا ننكره أيضا لكنهم يجعلون إعتدال المزاج وإستقامة الحرارة والرطوبة ونحو ذلك شروطا حقيقة عقلية لبقاء الحياة ونحن نجعلها أسبابا عادية وذلك بحث آخر وسيأتي تتمة الكلام على هذه المسألة إذ الأمور مرهونة لأوقاتها ولكل أجل كتاب .
ومن يرد أي بعمله كالجهاد ثواب الدنيا كالغنيمة نؤته بنون العظمة على طريق الإلتفات منها أي شيئا من ثوابها إن شئنا فهو على حد قوله تعالى : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وهذا تعريض بمن شغلتهم الغنائم يوم أحد عن مصلحة رسول الله وقد تقدم تفصيل ذلك .
ومن يرد أي بعمله كالجهاد أيضا والذب عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم .
ثواب الآخرة مما أعد الله تعالى لعباده فيها من النعيم نؤته منها أي من ثوابها ما نشاء حسبما جرى به قلم الوعد الكريم وهذا إشارة إلى مدح الثابتين يومئذ مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والآية