بإذنه تعالى إذنه لملك الموت فإنه الذي يقبض روح كل ذي روح بشرا كان أولا شهيدا كان أو غير شهيد برا أو بحرا حتى قيل : إنه يقبض روح نفسه وإستثنى بعضهم أرواح شهداء البحر فإن الله تعالى هو الذي يقبضها بلا واسطة وأستدل بحديث جويبروهو ضعيف جداوفيه من طريق الضحاك إنقطاع وذهب المعتزلةإلى أن ملك الموت إنما يقبض أرواح الثقلين دون غيرهم وقال بعض المبتدعة : إنه يقبض الجميع سوى أرواح البهائم فإن أعوانه هم الذين يقبضونها ولا تعارض بين الله يتوفى الأنفس حين موتها ويتوفاكم ملك الموت وتوفته رسلنا لأن إسناد ذلك له تعالى بطريق الخلق والإيجاد الحقيقي وإلى الملك لأنه المباشر له وإلى الرسل لأنهم أعوانه المعالجون للنزع من العصب والعظم واللحم والعروق كتابا مصدر مؤكد لعامله المستفاد من الجملة السابقة والمعنى كتب ذلك الموت المأذون فيه كتابا مؤجلا أي موقتا بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر وقيل : حكما لازما مبرما وهو ص فة كتابا ولا يضر التوصيف بكون المصدر مؤكدا بناءا على أنه معلوم مما سبق وليس كل وصف يخرج عن التأكيد ولكلما في ذلك من الخفاءأن تجعل المصدر لوصفه مبينا للنوع وهو أولى من جعله مؤكدا وجعل مؤجلا حالا من الموت لا صفة له لبعد ذلك غاية البعد فتدبر .
وقريء مؤجلا بالواو بدل الهمزة على قياس التخفيف وظاهر الآية يؤيد مذهب أهل السنة القائلين إن المقتول ميت بأجله أي بوقته المقدر له وأنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت وأن لا يموت من غير قطع بإمتداد العمر ولا بالموت بدل القتل إذ على تقدير عدم القتل لا قطع بوجود الأجل وعدمه فلا قطع بالموت ولا بالحياة وخالف في ذلك المعتزلة فذهب الكعبي منهم إلى أن المقتول ليس بميت لأن القتل فعل العبد والموت فعل الله سبحانه أي مفعوله وأثر صفته وأن للمقتول أجلين : أحدهما القتل والآخر الموت وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أجله الذي هو الموت وذهب أبو الهذيل إلى أن المقتول لو لم يقتل لمات ألبتة في ذلك الوقت .
وذهب الجمهور منهم إلى أن القاتل قد قطع على المقتول أجله وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله تعالى موته فيه لولا القتل وليس النزاع بين الأصحاب والجمهور لفظيا كما رآه الأستاذ وكثير من المحققين حيث قالوا : إنه إذا كان الأجل زمان بطلان الخحياة في علم الله تعالى لكان المقتول ميتا بأجله بلا خلاف من المعتزلة في ذلك إذ هم لا ينكرون كون المقتول ميتا بالأجل الذي علمه الله تعالى وهو الأجل بسبب القتل وإن قيد بطلان الحياة بأن لا يترتب على فعل من العبد لم يكن كذلك بلا خلاف من الأصحاب فيه إذ هم يقولون بعدم كون المقتول ميتا بالأجل غير المرتب على فعل العبد لأنا نقول حاصل النزاع أن المراد بأجل المقتول المضاف إليه زمان بطلان حياته بحيث لا محيص عنه ولا تقدم ولا تأخر على ما يشير إليه قوله تعالى : إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ويرجع الخلاف إلى أنه هل تحقق ذلك في حق المقتول أم المعلوم في حقه أنه إن قتل مات وإن لم يقتل يعش كذا في شرح المقاصد ولعله جواب بإختيار الشق الأول وهو أن المراد زمان بطلان الحياة في علم الله تعالى لكنه لا مطلقا بل على ما علمه تعالى وقدره بطريق القطع وحينئذ يصلح محلا للخلاف لأنه لا يلزم من عدم تحقق ذلك في المقتول كما يقوله المعتزلة تخلف العلم عن المعلوم لجواز أن يعلم تقدم موته بالقتل مع تأخر الأجل الذي لا يمكن تخلفه عنه وقد يقال : إنه يمكن أن يكون جوابا بإختيار شق ثالث وهو المقدر بطريق القطع إذ لا تعرض في تقرير الجواب للعلم والمقدر أخص من الأجل المعلوم مطلقا