متمسكا به وأستشكل بأن القوم لم يرتدوا فكيف عبر بالإنقلاب على الأعقاب المتبادر منه ذلك وأجيب بأنه ليس المراد إرتدادا حقيقة وإنما هو تغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والإنكشاف عن رسول الله وإلامهم إياه للهلك وقيل : الإنكار هنا بمعنى أنه لم يكن ذلك ولا ينبغي لا إنكار لما وقع وقيل : هو إخبار عما وقع لأهل الردة بعد موته صلى الله تعالى عليه وسلم وتعريض بما وقع من الهزيمة لشبهه به .
وحمل بعضهم الإنقلاب هنا على نقص الإيمان لا الكفر بعده إحتجاجا بما أخرجه إبن المنذر عن الزهري قال : لما نزلت هذه الآية ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم قالوا : يارسول الله قد علمنا أن الإيمان يزداد فهل ينقص قال : أي والذي بعثني بالحق إنه لينقص قالوا : فهل لذلك دلالة في كتاب الله تعالى قال : نعم ثم تلا رسول الله أفئن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم والإنقلاب نقصان لا كفر ولا يخفى أن هذا الخبر ليس من القوة إلى حيث يحتج به وإني لا أجد عليه طلاوة الأحاديث الصحيحة .
وذهب بعضهم إلى أن الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة التي قبلها على معنى التسبب والهمزة لإنكار ذلك أي لا ينبغي أن تجعلوا خلو الرسل قبله سببا لإنقلابكم على أعقابكم بعد موته أو قتله بل أجعلوه سببا للتمسك بدينه كما هو حكم سائر الأنبياء عليهم السلام ففي إنقلابكم على أعقابكم تعكيس لموجب القضية المحققة التي هي كونه رسولا يخلو كما خلت الرسل وإيراد الموت بكلمة إن مع العلم البتة لتنزيل المخاطبين منزلة المترددين فيه لما ذكر من إستعظامهم إياه قال المولى : وهكذا الحال في سائر الموارد فإن كلمة إن في كلام الله تعالى لا تجري على ظاهرها أصلا ضرورة علمه تعالى بالوقوع أو اللاوقوع بل تحمل على إعتبار حال السامع أو أمر آخر يناسب المقام والمراد منالموتالموت على الفراش وبالقتلالموت بواسطة نقض البنية وقدم تقدير الموت مع أن تقدير القتل هو الذي كاد يجر الموت الأحمر لما أن الموت في شرف الوقوع فزجر الناس عن الإنقلاب عنده وحملهم على الثبات هناك أهم ولأن الوصف الجامع في نفس الأمر بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبين الرسل عليهم الصلاة والسلام هو الموت دون القتل خلافا لمن زعمه مستدلا بما ورد من أكلة خيبر وإن كان قد وقع فيهم قتل وموت وإنما ذكر القتل مع علمه سبحانه أنه لا يقتل لتجويز المخاطبين له وآية والله يعصمك من الناس على تقدير نزولها قبل أحد يحتمل أنها لم تصل هؤلاء المنهزمين وبتقدير وصولها إحتمال أن لا تحضرهم قائم في مثل ذلك المقام الهائل وقد غفل عمر رضي الله تعالى عنه عن هذه الآية يوم توفي رسول الله .
فقد روى أبو هريرة أنه رضي الله تعالى عنه قام يومئذ فقال : إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم توفي وإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والله ما مات ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل : قد مات والله ليرجعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مات فخرج أبو بكر فقال : على رسلك ياعمر أنصت فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله تالى فإن الله تعالى حي لا يموت ثم تلى هذه الآية وما محمد إلا رسول إلى آخرها فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ فأخذها الناس من أبي بكر و قال عمر : فوالله إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى