عن أن يكون ذاتيا فكيف يصح لتعريف الحقيقة وتمييزها وهو إنما يكون بالذاتيات أو باللوازم البينة وأيضا أن معرفة السورة منه متوقفة على معرفته فيدور ويرد على الثاني مثل ثاني ما ورد على الأول إذ معرفة المصحف موقوفة على معرفة القرآن إذ ليس هو إلا ما كتب فيه القرآن فأخذه في تعريفه دور أيضا هذا وقد قال ساداتنا الصوفية أفاض الله تعالى علينا من فتوحاتهم القدسية : أن القرآن إشارة إلى الذات التي يضمحل بها جميع الصفات فهي المجلي المسمى بالأحدية أنزلها الحق تعالى شأنه على نبيه محمد ليكون مشهد الأحدية من الأكوان ومعنى هذا الإنزال أن الحقيقة الأحدية المتعالية في ذراها ظهرت فيه بكمالها وما أدخر عنه شيء بل أفيض عليه الكل كرما إليها ذاتيا ووصف القرآن في بعض الآيات بالكريم لذلك إذ رأى كرما يضاهي هذا الكرم وأنى تقاس هذه النعمة بسائر النعم وأما القرآن الحكيم فهوية الحقائق الألهية يعرج العبد بالتحقيق بها في الذات شيئا فشيئا على ما أقتضته الحكمة وإلى ذلك أشار الحق تعالى بقوله : ورتلناه ترتيلا وهذا الحكم لا ينقطع أبدا إذ لا يزال العبد في ترق والحق في تجل فسبحان من لا تقيده الأكوان وهو كل يوم في شأن وأما القرآن العظيم في قوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم فهو إشارة إلى الجملة الذاتية لا بإعتبار النزول ولا بإعتبار المكانة بل مطلق الأحدية الذاتية التي هي في مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات والشئون والإعتبارات ولهذا قرن بالعظيم وأما السبع المثاني فهو ما ظهر عليه في وجوده من التحقق بالصفات السبع وأما قوله تعالى : الرحمن علم القرآن فهو إشارة إلى أن العبد إذا تجلى عليه الرحمن وجد لذة رحمانية تكسبه معرفة قرآنية فلا يعلم الحق إلا من طريق أسمائه وصفاته وأما الفرقان عندهم فإشارة إلى حقيقة الأسماء والصفات على إختلاف تنوعاتها فباعتباراتها تتميز كل صفة وأسم من غيرها فحصل الفرق في نفس الحق من حيث أسماؤه وصفاته فإن أسمه المنعم غير أسمه المنتقم وصفة الرضا غير صفة الغضب وإليه الإشارة بقوله : سبقت رحمتي غضبي وهي متفاوتة المراتب في الفضل نظرا إلى أعيانها لا بإعتبار أن في شيء منها نقصا أو مفضولية ولهذا حكمت بعضها على بعض كما يشير إليه قوله : أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك فكانت المعافاة أفضل من العقوبة والرضا أفضل من السخط فأعاذه بالفاضل مما يليه وكذا أعاذه بذاته من ذاته فكما أن الفرق حاصل في الأفعال كذلك في الصفات بل في نفس واحدية الذات التي لا فرق فيها لكن من غريب شؤنها جمعها النقيضين قال أبو سعيد : عرفت الله تعالى بجمعه بين الضدين ولكونه مظهرا للقرآن والفرقان كان خاتم النبيين وإمام المرسلين لأنه ما ترك شيئا يحتاج إليه إلا وقد جاء به فلا يجد الذي يأتي بعده من الكمال شيئا مما ينبغي أن ينبه عليه قال تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال تعالى : فصلناه تفصيلا إلى غير ذلك من الآيات .
وقد يقال القرآن والفرقان إشارتان إلى مقام الجمع والفرق بأقسامها قالوا ولا بد للعبد الكامل منهما فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ومن لا جمع له لا معرفة له والجمع عندهم شهود الأشياء بالله تعالى والتبري من الحول والقوة إلا بالله وجمع الجمع الإستهلاك بالكلية والفناء عما سوى الله تعالى وهو المرتبة الأحدية والفرق أنواع فرق أول وهو الإحتجاب بالخلق عن الحق وبقاء رسوم الخليقة بحالها وفرق ثان وهو شهود قيام الخلق بالحق ورؤية الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة من غير إحتجاب إحداهما عن الأخرى وفرق الوصف وهو ظهور الذات الأحدية بأوصافها في الحضرة الواحدة وفرق الجمع وهو تكثر الواحد بظهوره في المراتب