التي هي ظهور شئون الذات الأحدية وتلك الشئون في الحقيقة إعتبارات محضة لا تحقق لها إلا عند بروز الواحد بصورها وكثيرا ما يطلقون القرآن على العلم اللدني الإجمالي الجامع للحقائق كلها والفرقان على العلم التفصيلي الفارق بين الحق والباطل وكتاب الله تعالى جامع لذلك كله كما لا يخفى على أهله وذكر الشيخ الأكبر قدس سره أن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لايتضمن القرآن لأن تفاصيل المراتب والأسماء المقتضية لها موجودة في الجمع والجمع لا يوجد في التفاصيل ولهذا ما أختص بالقرآن إلا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فليفهم ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويزيل بعلمه جهلنا إنه على ما يشاء قدير الفائدة الرابعة في تحقيق معنى أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق أعلم أن هذه المسألة من أمهات المسائل الدينية والمباحث الكلامية كم زلت فيها أقدام وضلت عن الحق بهاأقوام وهي وإن كانت مشروحة في كتب المتقدمين مبسوطة في زبر المتأخرين لكني بحول من عز حوله وفضل من غمرنا فضله أوردها في هذا الكتاب ليتذكر أولو الألباب بأسلوب عجيب وتحقيق غريب لا أظنك شنفت سمعك بمثل لأليه ولا نورت بصرك بشبه بدر لياليه فماء ولا كصدى ومرعى ولا كالسعدان وما كل زهر ينبت الروض طيب ولا كل كحل للنواظر أثمد فأقول إن الإنسان له كلام بمعنى التكلم الذي هو مصدر وكلام بمعنى المتكلم به الذي هو الحاصل بالمصدر ولفظ الكلام موضوع لغة لثاني قليلا كان أو كثيرا حقيقة كان أو حكما وقد يستعمل إستعمال المصدر كما ذكره الرضي وكل من المعنيين إما لفظي أو نفسي فالأول من اللفظي فعل الإنسان باللسان وما يساعده من المخارج والثاني منه كيفية في الصوت المحسوس والأول من النفسي فعل قلب الإنسان ونفسه الذي لم يبرز إلى الجوارح والثاني كيفية في النفس إذ لا صوت محسوسا عادة فيها وإنما هو صوت معنوي مخيل أما الكلام اللفظي بمعنييه فمحل وفاق وأما النفسي فمعناه الأول تكلم الإسنان بكلمات ذهنية وألفاظ مخيلة يرتبها في الذهن على وجه إذا تلفظ بها بصوت محسوس كانت عين كلماته اللفظية ومعناه الثاني هو هذه الكلمات الذهنية والألفاظ المخيلة المرتبة ترتيبا ذهنيا منطبقا عليه الترتيب الخارجي .
والدليل على أن للنفس كلاما بالمعنيين الكتاب والسنة فمن الآيات قوله تعالى : فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا فإن قال بدل من أسر أو إستئناف بياني كأنه قيل فماذا قال في نفسه في ذلك الأسرار فقيل : قال أنتم شر مكانا وعلى التقديرين فالآية دالة على أن للنفس كلاما بالمعنى المصدري وقولا بالمعنى الحاصل بالمصدر وأثمد من أسر والجملة بعدها وقوله تعالى : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى وفسر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بما أسره إبن آدم في نفسه وقوله تعالى : وأذكر ربك في نفسك وقوله تعالى : يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا أي يقولون في أنفسهم كما هو الأسرع إنسياقا إلى الذهن والآيات في ذلك كثيرة ومن الأحاديث ما رواه الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سأله رجل فقال : إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجرى فقال لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن فسمى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الشيء المحدث به كلاما مع أنه كلمات ذهنية والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا صارف عنها وقوله تعالى في الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي الحديث وفيه دليل على أن للعبد كلاما نفسيا بالمعنيين وللرب أيضا كلاما نفسيا كذلك ولكن أين التراب من رب الأرباب