وأصل التمحيص كما قال الخليل : تخليص الشيء من كل عيب يقال : محصت الذهب إذا أزلت خبثه .
والجملة معطوفة على يتخذ وتكرير اللام للإعتناء بهذه العلة ولذلك أظهر الأسم الجليل في موضع الإضمار أو لتذكير التعليل لوقوع الفصل بينهما بالإعتراض وهذه الأمور الثلاثةكما قال مولانا شيخ الإسلام علل للمداولة المعهودة بإعتبار كونها على المؤمنين قدمت في الذكر لأنها المحتاجة إلى البيان ولعل تأخير العلة الأخيرة عن الإعتراض لئلا يتوهم إندراج المذنبين في الظالمين أو لنقترن بقوله عزوجل : ويمحق الكافرين 141 لما بينهما من المناسبة حيث أن في كل من التمحيص والمحقإزالة إلا أن في الأول إزالة الآثار وإزاحة الأوضار وفي الثاني إزالة العين وإهلاك النفس وأصلالمحقتنقيص الشيء قليلا قليلا ومنه المحاق والمعنى ويهلك الكافرين ولا يبقى منهم أحدا ينفخ النار وهذا علة للمداولة بإعتبار كونها عليهم والمراد منهم هنا طائفة مخصوصة وهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر فإن الله تعالى محقهم جميعا وقيل : يجوز أن يكون هذا علة للمداولة بإعتبار كونها على المؤمنين أيضا فإن الكفار إذا غلبوا أحيانا أغتروا وأوقعهم الشيطان في أو حال الأمل ووسوس لهم فبقوا مصرين على الكفر فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم وخلدهم في النار .
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة خطاب للمنهزمين يوم أحد وهو كلام مستأنف لبيان ما هي الغاية القصوى من المداولة والنتيجة لما ذكر من العلل الثلاث الأول و أم منقطعة مقدرة ببل وهمزة الإستفهام الإنكاري وكونها متصلة وعديلها مقدر تكلف والإضراب عن التسلية ببيان العلل فيما لقوا من الشدة إلى تحقيق أنها من مبادي الفوز بالمطلب الأسني والمقام الأعلى والمعنى بل لا ينبغي منكم أن تظنوا انكم تدخلون الجنة وتفوزون بنعيمها وما أعد الله تعالى لعباده فيها ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم حال من ضمير تدخلوا مؤكدة للإنكار فإن رجاء الأجر من غير عمل ممن يعلم أنه منوط به مستبعد عند العقول ولهذا قيل : ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس وورد عن شهر بن حوشب طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب وإنتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وإرتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة ونفي العلم بإعتبار تعلقه التنجيزي كما مر في الإثبات على رأى .
ويجوز أن يكون الكلام كناية عن نفي تحقق ذلك لأن نفي العلم من لوازم نفي التحقق إذ التحقق ملزوم علم الله تعالى ونفي اللازم لازم نفي الملزوم وكثيرا ما يقال : ما علم الله تعالى في فلان خيرا ويراد ما فيه خير حتى يعلمه وهل يجري ذلك في نفي علمنا أم لا فيه تردد والذي قطع به صاحب الإنتصاف الثاني وإيثار الكناية على التصريح للمبالغة في تحقيق المعنى المرادوهو عدم تحقق الجهاد الذي هو سبب للفوز الأعظم منهملما أن الكلام عليها كدعوى الشيء ببينة وفي ذلك رمز أيضا إلى ترك الرياء وأن المقصود علم الله تعالى لا الناس وإنما وجه النفي إلى الموصوفين مع أن المنفي هو الوصف الذي هو الجهاد للمبالغة في بيان إنتفاء ذلك وعدم تحققه أصلا وكيف تحقق صفة بدون موصوف وفي إختيار لما على لم إشارة إلى أن الجهاد متوقع منهم فيما يستقبل بناءا على ما يفهم من كلام سيبويه إن لما تدل على توقع الفعل المنفي بها وقد ذكر الزجاج أنه إذا قيل : قد فعل فلان فجوابهلما نفعل وإذا قيل : فعل فجوابه لم يفعل فإذا قيل : لقد فعل فجوابه ما فعل كأنه قال : والله لقد فعل فقال المجيب : والله