وقع صفة لهم أي هذا إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب فإن الأمر السابق وإن كان خاصا بالمؤمنين على المختار لكن العمل بموجبه غير مختص بهم ففيه حمل للمكذبين أيضا على أن ينظروا في عاقبة أسلافهم ليعتبروا بذلك والموعظة ما يلين القلب ويدعو إلى التمسك بما فيه طاعة والهدى بيان طريق الرشد ليسلك دون طريق الغي والفرق بينه وبين البيان أن الثاني إظهار المعنى كائنا ما كان ولكون المراد به هنا ما كان عاريا عن الهدى والعظة خصه بالناس مع أن ظاهره شامل للمتقين .
والمراد بهم مقابل المكذبين وكأنه وضع موضع الضمير بناءا على أن المعنى وزيادة بصيرة وموعظة لكم للإيذان بعلة الحكم فإن مدار ذلك كونه هدى وموعظة لهم إنما هو تقواهم وعدم تكذيبهم وقدم بيان كونه بيانا للمكذبين مع أنه غير مسوق له على بيان كونه هدى للمتقين مع أنه المقصود بالسياق لأن أول ما يترتب على مشاهدة آثار هلاك أسلافهم ظهور حال أخلافهم وأما الهدى فأمر مترتب عليه والإقتصار على الأمرين في جانب المتقين مع ترتبهما على البيان لما أنهما المقصد الأصلي وقيل : أل في الناس للجنس .
والمراد بيان لجميع الناس لكن المنتفع به المتقون لأنهم يهتدون به وينتجعون بوعظهوليس بالبعيدوجوز بعضهم أن يراد من المتقين الصائرون إلى التقوى فيبقى الهدى والموعظة بلا زيادة وإن يراد بهم ما يعمهم وغيرهم من المتقين بالفعل فيحتاج الهدى وما عطف عليه إلى إعتبار ما يعم الإبتداء والزيادة فيه ولا يخفى ما في الثاني من زيادة البعد لإرتكاب خلاف الظاهر في موضعين وأما الأول ففيه بعد من جهة الإرتكاب في موضع واحد وهو وإن شارك ما قلناه من هذه الحيثية إلا أن ما أرتكبناه يهدي إليه في الجملة التنوين الذي في الكلمة ولا كذلك ما أرتكبوه بل إعتبار الكمال المشعر به الإطلاق ربما يأباه ولعله لمجموع الأمرين هان أمر نزع الخف .
ولا تهنوا ولا تحزنوا أخرج الواحدي عن إبن عباس أنه قال : إنهزم أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم أحد فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريدون أن يعلوا عليهم الجبل فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فأنزل الله تعالى هذه الآية وثاب نفر من المسلمين فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم وعن الزهري وقتادة أنها نزلت تسلية للمسلمين لما نالهم يوم أحد من القتل والجراح .
وعن الكلبي أنها نزلت بعد يوم أحد حين أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه رضي الله تعالى عنهم بطلب القوم وقد أصابهم من الجراح ما أصابهم وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : لا يخرج إلا من شهد معنا بالأمس فأشتد ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى هذه الآية وأيا ما كان فهي معطوفة على قوله تعالى : سيروا في الأرض بحسب اللفظ ومرتبطة به بحسب المعنى إن قلنا إنه عود التفصيل وبما تقدم من قصة أحدإن لم نقل ذلكوبه قال جمع وجعلوا توسيط حديث الربا إستطرادا أو إشارة إلى نوع آخر من عداوة الدين ومحاربة المسلمين وبه يظهر الربط وقد مر توجيهه بغير ذلك أيضا .
ومن الناس من جعل إرتباط هذه الآية لفظا بمحذوف أي كونوا مجدين ولا تهنوا ومضى على الخلاف وهو تكلف مستغنى عنه والوهنالضعف أي لا تضعفوا عن قتال أعدائكم والجهاد في سبيل الله تعالى بما نالكم من الجراح ولا تحزنوا على ما أصبتم به من قتل الأعزة وقد قتل في تلك الغزوة خمسة من المهاجرين حمزة بن عبدالمطلب ومصعب عن بن عمير صاحب راية رسول الله صلى تعالى عليه وسلم وعبدالله بن جحش