وقدمه على الأمر إعتناءا به وليجيء ذلك الأمر بعد سد ما يخدشه وقال القفال : يحتمل أن يكون هذا الكلام متصلا بما قبله من جهة أن أكثر أموال المشركين قد أجتمعت من الربا وكانوا ينفقون تلك الأموال على العساكر وكان من الممكن أن يصير ذلك داعيا للمسلمين إلى الإقدام عليه كي يجمعوا الأموال وينفقوها على العساكر أيضا ويتمكنوا من الإنتقام من عدوهم فورد النهي عن ذلك رحمة عليهم ولطفا بهم وقيل : إنه تعالى شأنه لما ذكر أن له التعذيب لمن يشاء والمغفرة لمن يشاء وصل ذلك بالنهي عما لو فعلوه لأستحقوا عليه العقابوهو الرباوخصه بالنهي لأنه كان شائعا إذ ذاك وللإعتناء بذلك لم يكتف بمادل على تحريمه مما في سورة البقرة بل صرح بالنهي وساق الكلام له أولا وبالذات إيذانا بشدة الحظر .
والمراد من الأكل الأخذ وعبر به عنه لما أنه معظم ما يقصد ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع وقد تقدم الكلام في الربا أضعافا مضاعفة حال من الربا والأضعاف جمع ضعف وضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه وأضعافه أمثاله وقال بعض المحققين : الضعف أسم ما يضعف الشيء كالثني أسم ما يثنيه من ضعفت الشيء بالتخفيف فهو مضعوفعلى ما نقله الراغببمعنى ضعفته وهو أسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فأكثر والنظر فيه إلى فوق بخلاف الزوج فإن النظر فيه إلى ما دونه فإذا قيل : ضعف العشرة لزم أن تجعلها عشرين بلا خلاف لأنه أول مراتب تضعيفها ولو قال : له عندي ضعف درهم لزمه درهمان ضرورة الشرط المذكور كما إذا قيل : هو أخو زيد إقتضى أن يكون زيد أخاه وإذا لزم المزاوجة دخل في الإقرار وعلى هذا له ضعفا درهم منزل على ثلاثة دراهم وليس ذلك بناءا على ما يتوهم أن ضعف الشيء موضوعه مثلاه وضعفيه ثلاثة أمثاله بل ذلك لأن موضوعه المثل بالشرط المذكور .
وهذا معزى الفقهاء في الأقارير والوصايا ومن البين أنهم ألزموا في ضعفي الشيء ثلاثة أمثاله ولو كان موضوع الضعف المثلين لكان الضعفان أربعة أمثال وليس مبناه العرف العامي بل الموضوع اللغوي كما قال الأرهري .
ومن هنا ظهر أنه لو قال : له على الضعفان درهم ودرهم أو الضعفان من الدراهم لم يلزم إلا درهمان كما لو قال الإخوان ثم قال والحاصل إن تضعيف الشيء ضم عدد آخر إليه وقد يزاد وقد ينظر إلى أول مراتبه لأن المتيقن ثم إنه قد يكون الشيء المضاعف مأخوذا معه فيكون ضعفاه ثلاثة وقد لايكون فيكون إثنين وهذا كله موضوع له في اللغة لا العرف وليس هذه الحال لتقييد المنهي عنه ليكون أصل الربا غير منهي بل لمراعاة الواقع فقد روى غير واحدا أنه كان الرجل يربي إلى أجل فإذا حل قال للمدين : زدني في المال حتى أزيدك بالأجل فيفعل وهكذا عند كل أجل فيستغرق بالشيء ماله بالكلية فنهوا عن ذلك ونزلت الآية وقريء مضعفةبلا ألإف مع تشديد العين .
وأتقوا الله أي فيما نهيتم عنه ومن جملته أكل الربا لعلكم تفلحون 031 أي لكي تفلحوا أو راجين الفلاح فالجملة حينئذ في موضع الحال قيل : ولا يخفى أن إقتران الرجاء بالتخويف يفيد أن العبد ينبغي أن يكون بين الرجاء والخوف فهما جناحاه اللذان يطير بهما إلى حضائر القدس وأتقوا النار أي أحترزوا عن متابعة المرابين وتعاطي ما يتعاطونه من أكل الربا المفضي إلى دخول النار ألتي أعدت أي هيئت