أي مكرهم وأصل الكيد المشقة وقرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب لا يضركم بكسر الضاد وجزم الراء على أنه جواب الشرط من ضاره يضيره بمعنى ضره يضره وضم الراء في القراءة المشهورة لإتباع ضمة الضاد كما في الأمر المضاعف المضموم العين كمد والجزم مقدر وجوزوا في مثله الفتح للخفة والكسر لأجل تحريك الساكن وقيل : إنه مرفوع بتقدير الفاء وهو تكلف مستغنى عنه شيئا نصب على المصدر أي لا يضركم كيدهم شيئا من الضرر لا كثيرا ولا قليلا ببركة الصبر والتقوى لكونهما من محاسن الطاعات ومكارم الأخلاق ومن تحلي بذلك كان في كنف الله تعالى وحمايته من أن يضره كيد عدو وقيل : لا يضركم كيدهم لأنه أحاط بكم فلكم الأجر الجزيل إن بطل فهو النعمة الدنيا فأنتم لا تحرمون الحسنى على كلتا الحالتين وفيه بعد إن الله بما يعملون من الكيد .
وقرأ الحسن وأبو حاتم تعملون بالتاء الفوقانية وهو خطاب للمؤمنين أي ما تعملون من الصبر والتقوى محيط علما أو بالمعنى اللائق بجلاله فيعاقبهم به أو فيثيبكم عليه وإذ غدوت أي وأذكر إذ خرجت عدوة من عند أهلك والخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة والكلا مستأنف سيق للإستشهاد بما فيه من إستتباع عدم الصبر والتقوى للضرر على أن وجودهما مستتبع لما وعد من النجاة عن مضرة كيد الأعداء وكان الخروج من حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها تبويء المؤمنين أي توطنهم قاله إبن جبير وقيل : تنزلهم وقيل : تسوى وتهيء لهم ويؤيده قراءةللمؤمنينإذ ليس محل التقوية والزيادة غير فصيحة مقاعد للقتال أي مواطن ومواقف ومقامات له وأصل المقعد والمقام محل القعود والقيام ثم وسع فيه فأطلق بطريق المجاز على المكان مطلقا وإن لم يكن فيه مقام وقعود وقد يطلق على من به كقولهم المجلس السامي والمقام الكريم وجملة تبويء حال من فاعل غدوت ولكون المقصود تذكير الزمان الممتد المتسع لإبتداء الخروج والتبوئة وما يترتب عليها إذ هو المذكر للقصة لم يحتج إلى القول بأنها حال مقدرة أي ناويا وقاصدا للتبوئة و مقاعد مفعول ثان لتبويء والجار والمجرور متعلق بالفعل قبله أو بمحذوف وقع صفة لمقاعد ولا يجوزكما قال أبو البقاءأن يتعلق به لأن المراد به المكان وهو لا يعمل .
روى إبن إسحاق وجماعة عن إبن شهاب ومحمد بن يحيى والحصين بن عبدالرحمن وغيرهم وكل قد حدث بعض الحديث أنه لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان إبن حرب بعيره مشى عبدالله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيبت آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يامعشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل أخياركم فأعينونا بهذا امال على حربه لعلنا ندرك به ثأرنا بمن أصاب منا ففعلوا فأجتمعت قريش لحرب رسول الله وخرجت بجدها وجديدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم بلظعن إلتماس الحفيظة وأن لا يفروا وخرج أبو سفيان وهو قائد الناس بهند بنت عتبة وخرج آخرون بنساء أيضا فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة فلما سمع بهم رسول الله والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إني رأيت