قل يامحمد بلسانك وقيل : المراد حدث نفسك بإذلالهم وإعزاز الإسلام من غير أن يكون هناك قول وقيل : هو خطاب لكل مؤمن وتحريض لهم على عداوتهم وحث لهم على خطابهم خطاب الخصماء فإنه لا أقطع المحبة من جراحة اللسان فالمقصود على هذا من قوله تعالى : موتوا يغيظكم مجرد الخطاب بما يكرهونه والصحيحخ الذي أتفقت عليه كلمتهم أنه دعاء عليهم وكون ذلك مما فيه خفاء إذ لا يخاطب المدعو عليه بل الله تعالى ويسأل منه إبتلاؤه لإخفاء في خفائه وأنه غفلة عن قولهم : قاتلك الله تعالى وقولهم : دم بعز وبت قرير عين وغيره مما لا يحصى والمراد كما قيل : الدعاء بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وأهله حتى يهلكوا به وهذا عند العلامة الثاني من كناية الكناية حيث عبر بدعاء موتهم بالغيظ عن ملزومه الذي هو دعاء إزدياد غيظهم إلى حين الهلاك وبه عن ملزومه الذي هو قوة الإسلام وعز أسمه وذلك لأن مجرد الموت بالغيظ أو إزدياده ليس مما يحسن أن يطلب ويدعى به .
وتعقب بأن المجاز مذكور وأما الكناية على الكناية فنادرة وقد صرح بها السبكي في قواعده الأصولية ونقل فيها خلافا ومع هذا الفرق بين الكناية بالوسائط والكناية عل ىالكناية مما يحتاج إلى التأمل الصادق ولعله فرق إعتباري وأيضا ماذكره من أن مجرد الموت بالغيظ إلخ مدفوع بأنه يمكن أن يكون المحسن لذلك ما فيه من الإشارة إلى ذمهم حيث أنهم قد أستحقوا هذا الموت الفظيع والحال الشنيع .
إن الله عليم بذات الصدور 911 اي بما خفي فيها وهذا يحتمل أن يكون من تتمة المقول أي قل لهم إن الله تعالى عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الأنامل إذا خلوتم فيجازي به وأن يكون خارجا عنه أي قل لهم ما تقدم ولا تتعجب من إطلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم والنهي عن التعجب حينئذ إما خارج مخرج العادة مجازا بناءا على أن المخاطب عالم بمضمون هذه الجملة وإما باق على حقيقته إن كان المخاطب غير ذلك ممن يقف على هذا الخطاب فلا إشكال على التقديرين خلافا لمن وهم في ذلك إن تمسسكم أيها المؤمنون حسنة نعمة من ربكم كالألفة وإجتماع الكلمة والظفر بالأعداء تسؤهم أي تحزنهم وتغظهم ةإن تصبكم سيئة أي محنة كإصابة العدو منكم وإختلاف الكلمة فيما بينكم يفرحوا أي يبتهجوا بها وفي ذلك إشارة إلى تناهي عداوتهم إلى حد الحسد والشماتة والمس قيل : مستعار للإصابة فهما هنا بمعنى وقد سوى بينهما في غير هذا الموضع كقوله تعالى : إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة وقوله سبحانه : إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا والتعبير هنا بالمس مع الحسنة وبالإصابة مع السيئة لمجرد التفنن في التعبير وقال بعض المحققين : الأحسن والأنسب بالمقام ما قيل : إنه للدلالة على إفراطهم في السرور والحزن لأن المس أقل من الإصابة كما هو الظاهر فإذا ساءهم أقل خير نالهم فغيره أولى منه وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثى له الشامت ويرق الحاسد فغيره أولى فهم لا ترجى سوالاتهم أصلا فكيف تتخذونهم بطانة ! والقول بأنه لا يبعد أن يقال : إن ذلك إشارة إلى أن ما يصيبهم من الخير بالنسبة إلى لطف الله تعالى معهم خير قليل وما يصيبهم من السيئة بالنسبة لما يقابل به من الأجر الجزيل عظيم بعيد كما لا يخفى وإن تصبروا على أذاهم أو على طاعة الله تعالى ومضض الجهاد في سبيله وتتقوا ما حرم عليكم لا يضركم كيدهم