بالحرث وجعل الله تعالى أعمالهم هباءا منثورا بما في الريح الباردة من جعله حطاما وقريءتنفقونبالتاء وما ظلمهم الله الضمير إما للمنفقين أي ما ظلمهم بضياع نفقاتهم التي أنفقوها على غير الوجه اللائق المعتد به وإما للقوم المذكورين أي ما ظلم الله تعالى أصحاب الحرث بإهلاكه لأنهم أستحقوا ذلك وحينئذ يكون هذا النفي مع قوله تعالى : ولكن أنفسهم يظلمون 711 تأكيدا لما فهم من قبل إشعارا وتصريحا وقريء ولكن بالتشديد على أن أنفسهم أسمها وجملة يظلمون خبرها والعائد محذوف والتقدير يظلمونها وليس مفعولا مقدما كما في قراءة التخفيف وأسمها ضمير الشأن لأنه لا يحذف إلا في الشعر كقوله : وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق وتعين حذفه فيه لمكان من الشرطية التي لا تدخل عليها النواسخ وتقديم أنفسهم على الفعل للفاصلة لا للحصر وإلا لا يتطابق الكلام لأن مقتضاه وما ظلمهم الله ولكن هم يظلمون أنفسهم لا أنهم يظلمون أنفسهم لا غيرهم وهو في الحصر لازم وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والإستمرار .
ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم أخرج إبن إسحاق وغيره عن إبن عباس قال : كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف الفتنة عليهم هذه الآية وأخرج عبد بن حميد أنها نزلت في المنافقين من أهل المدينة نهى المؤمنون أن يتولوهم وظاهر ما يأتي يؤيده والبطانة خاصة الرجل الذين يستنبطون أمره مأخوذ من بطانة الثوب للوجه الذي يلي البدن لقربه وهي نقيض الظهارة ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث و من متعلقة ب لا تتخذوا أو بمحذوف وقع صفة لبطانة وقيل : زائدة ودونإما بمعنى غير أو بمعنى الأدون والدنيء وضمير الجمع المضاف إليه للمؤمنين والمعنى لا تتخذوا الكافرين كاليهود والمنافقين أولياء وخواص من غير المؤمنين أو ممن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الشرف والديانة والحكم عام وإن كان سبب النزول خاصا فإن إتخاذ المخالف وليا مظنة الفتنة والفساد ولهذا ورد تفسير هذه البطانة بالخوارج .
وأخرج البيهقي وغيره عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : لا تنقشوا في خواتيمكم عربيا ولا تستضيئوا بنار المشركين فذكر ذلك للحسن فقال : نعم لا تنقشوا في خواتيمكم محمد رسول الله ولا تستسروا المشركين في شيء من أموركم ثم قال الحسن : وتصديق ذلك من كتاب الله تعالى ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لأ يألونكم خبالا أصل الألو التقصير يقال : ألا كغزايألو ألوا إذا قصر وفتر وضعف ومنه قول أمريء القيس : وما المرء ما دامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آلى أراد ولا مقصر في الطلب وهو لازم يتعدى إلى المفعول بالحرف وقد يستعمل متعديا إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحا ولا آلوك جهدا على تضمين معنى المنع أي لا أمنعك ذلك وقد يجعل بمنع الترك فيتعدى إلى واحد وفي القاموس ما ألوت الشيء أي ما تركته والخبال في الأصل الفساد الذي يلحق الإنسان فيورثه إضطرابا كالمرض والجنون ويستعمل بمعنى الشر والفساد مطلقا ومعنى الآية على الأول لا يقصرون لكم في الفساد والشر بل يجهدون في مضرتكم وعليه يكون الضمير المنصوب والأسم الظاهر منصوبين بنزع الخافض