فهذا الذي ذكره الشبلي هو الحج الذي يستأهل أن يقال له حج ولله تعالى عباد أهلهم لذلك وأقدرهم على السلوك في هاتيك المسالك فحجهم في الحقيقة منه إليه وله فيه فمطافهم حظائر القرية على بساط الحشمة وموقفهم عرفة العرفان على ساق الخدمة ليس لهم غرض في الجدران والأحجار وهيهات هيهات ما غرض المجنون من الديار إلا الديار ومن كفر وأعرض عن المولى بهوى النفس فإن الله غني عن العالمين فهو سبحانه غني عنه لا يلتفت إليه قل يأأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله الدالة على توحيده والله شهيد على ما تعملون إذ هو أقرب من حبل الوريد قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله بالإنكار على المؤمنين من آمن تبغونها عوجا بإيراد الشبه الباطلة وأنتم شهداء عالمون بأنها حق لا إعوجاج فيها وما الله بغافل عما تعملون فيجازيكم به ياأيها الذين آمنوا الإيمان الحقيقي إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب خوفا من إنكارهم ما أنتم عليه من الحقيقة والطريق الموصل إليه سبحانه يردوكم بعد إيمانكم الراسخ فيكم كافرين لأن إنكار الحقيقة كفر كإنكار الشريعة ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم اي من يعتصم به منه فقد أهتدى إليه به قال الواسطي : ومن زعم أنه يعتصم به من غيره فقد جهل عظمة الربوبية وحقيقة الإعتصام عند بعضهم إنجذاب القلب عن الأسباب التي هي الأصنام المعنوية والتبري إلى الله تعالى من الحول والقوة وقيل : الإعتصام للمحبين هو اللجأ بطرح السوي ولأهل الحقائق رفع الإعتصام لمشادتهم أنهم في القبضة ياأيها الذين آمنوا أتقوا الله حق تقاته بصون العهود وحفظ الحدود والخمود تحت جريان القضاء بنعت الرضا وقيل : حق التقوى عدم رؤية التقوى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أي لا تموتن إلا على حال إسلام الوجود له أي ليكن موتكم هو الفناء في التوحيد وأعتصموا بحبل الله جميعا وهو عهده الذي أخذه على العباد يوم ألست بربكم ولا تفرقوا بإختلاف الأهواء وأذكروا نعمة الله عليكم بالهداية إلى معالم التوحيد المفيد للمحبة في القلوب إذ كنتم أعداء لإحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية فألف بين قلوبكم بالتحاب في الله تعالى لتنورها بنوره فأصبحتم بنعمته عليكم إخوانا في الدين وكنتم على شفا حفرة من النار وهي مهوى الطبيعة الفاسقة وجهنم الحرمان فأنقذكم منها بالتواصل الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح وروح جنة الذات ولتكن منكم أمة كالعلماء العارفين أرباب الإستقامة في الدين يدعون إلى الخير أي يرشدون الناس إلى الكمال المطلق من معرفة الحق تعالى والوصول إليه ويأمرون بالمعروف المقرب إلى الله تعالى وينهون عن المنكر المبعد عنه تعالى وأولئك هم المفلحون الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله تعالى في أرضه ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأتبعوا الأهواء والبدع وأختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات الحجج العقلية والشرعية الموجبة للإتحاد وإتفاق الكلمة وأولئك لهم عذاب عظيم وهو عذاب الحرمان من الحضرة يوم تبيض وجوه وتسود وجوه قالوا : أبيضاض الوجه عبارة عن تنور وجه القلب بنور الحق المتوجه إليه والإعراض عن الجهة السفلية النفسانية المظلمة ولا يكون ذلك إلا بالتوحيد وأسوداده ظلمة وجه القلب بالإقبال على النفس الطالبة لحظوظها والإعراض عن الجهة العلوية النورانية فأما الذين أسودت وجوههم فيقال لهم أكفرتم أي أحتججتم عن الحق بصفات النفس بعد إيمانكم أي تنوركم بنور الإستعداد وصفاء الفطرة وهداية العقل فذوقوا العذاب وهو عذاب الإحتجاب عن الحق بما كنتم تكفرون به وأما الذين أبيضت وجوههم ففي رحمة الله الخاصة التي هي شهود الجمال هم فيها خالدون باقون بعد الفناء كنتم خير أمة أخرجت من مكان الأزل للناس أي لنفعهم تأمرون بالمعروف الموصل إلى مقام التوحيد وتنهون عن المنكر وهو القول بتحقق الكثرة على الحقيقة ولو آمن أهل الكتاب كإيمانكم