وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل والظاهر أن الخطاب وإن كان خاصا بمن شاهد الوحي من المؤمنين أو ببعضهم لكن حكمه يصلح أن يكون عاما للكل كما يشير إليه قول عمر رضي الله تعالى عنه فيما حكى قتادة ياأيها الناس من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شرط الله تعالى منها وأشار بذلك إلى قوله سبحانه تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فإنه وإن كان إستئنافا مبينا لكونهم خير أمة أو صفة ثانية لأمة على ما قيل إلا أنه يفهم الشرطية والمتبادر من المعروف الطاعات ومن المنكر المعاصي التي أنكرها الشرع .
وأخرج إبن المنذر وغيره عن إبن عباس في الآية أن المعنى تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقروا بما أنزل الله تعالى وتقاتلونهم عليهم ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف وتنهونهم عن المنكر والمنكر هو التكذيب وهو أنكر المنكر وكأنه رضي الله تعالى عنه حمل المطلق على الفرد الكامل وإلا فلا قرينة على هذا التخصيص وتؤمنون بالله أريد بالإيمان به سبحانه الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به لأن الإيمان إنما يعتد به ويستأهل أن يقال له إيمان إذا آمن بالله تعالى على الحقيقة وحقيقة الإيمان بالله تعالى أن يستوعب جميع ما يجب الإيمان به فلو أخل بشيء منه لم يكن من الإيمان بالله تعالى في شيء والمقام يقتضيه لكونه تعريضا بأهل الكتاب وأنهم لا يؤمنون بجميع ما يجب الإيمان به كما يشعر بذلك التعقيب بنفي الإيمان عنهم مع العلم بأنهم مؤمنون في الجملة وأيضا المقام مقام مدح للمؤمنين بكونهم خير أمة أخرجت للناس وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها المعلل للخبرية فلو لم يرد الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به لم يكن مدحا فلا يصلح للتعليل والعطف يقتضيه وإنما أخر الإيمان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع تقدمه عليهما وجودا ورتبة كما هو الظاهر لأن الإيمان مشترك بين جميع الأمم دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهما أظهر في الدلالة على الخبرية ويجوز أن يقال قدمهما عليه للإهتمام وكون سوق الكلام لأجلهما وأما ذكره فكالتتيم ويجوز أيضا أن يكون ذلك للتنبيه على أن جدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدين أظهر مما أشتمل عليه الإيمان بالله تعالى لأنه من وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلامولو قيل قدماوأخر للإهتمام وليرتبط بقوله تعالى : ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم لم يبعد أي لو آمنوا إيمانا كما ينبغي لكان ذلك الإيمان خيرا لهم مما هم عليه من الرياسة في الدنيا لدفع القتل والذل عنهم والآخرة لدفع العذاب المقيم وقيل : لو آمن أهل الكتاب بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم لكان خيرا لهم من الإيمان بموسى وعيسى فقط عليهما السلام وقيل : المفضل عليه ما هم فيه من الكفر فالخيرية إنما هي بإعتبار زعمهم وفيه ضرب تهكم بهم وهذه الجملة معطوفة على كنتم خير أمة مرتبطة بها على معنى ولو آمن أهل الكتاب كما آمنتم وأمروا بالمعروف كما أمرتم ونهوا عن المنكر كما نهيتم لكان خيرا لهم منهم المؤمنون كعبدالله بن سلام وأخيه وثعلبة بن شعبة .
وأكثرهم الفاسقون 011 أي الخارجون عن طاعة الله تعالى وعبر عن الكفر بالفسق إيذانا بأنهم خرجوا عما أوجبه كتابهم وقيل : للإشارة إلى أنهم فيالكفاربمنزلة الكفار في العصاة لخروجهم إلى الحال الفاحشة التي هي منهم أشنع وأفظع لن يضروكم إلا اذى إستثناء متصل لأن الأذى بمعنى الضرر اليسير كما يشهد به مواقع الإستعمال فكأنه قيل : لن يضروكم ضررا ما إلا ضررا يسيرا وقيل : إنه منقطع لأن الأذى