وما الله بغافل عما تعملون وأنزل في أوس بن قيظي وهبار ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الآية وعلى هذا يكون المراد من أهل الكتاب ظاهرا اليهود .
وقيل : المراد منه ما يشمل اليهود والنصارى والله شهيد على ما تعملون 89 جملة حالية العامل فيها تكفرون وهي مفيدة لتشديد التوبيخ والإظهار في موضع الإضمار لما مر غير مرة والشهيد العالم المطلع وصيغة المبالغة للمبالغة في الوعيد وجعل الشهيد بمعنى الشاهد تكلف لا داعي إليه و ما إما عبارة عن كفرهم وإما على عمومها وهو داخل فيها دخولا أوليا والمعنى لأي سبب تكفرون والحال أنه لا يخفى عليه بوجه من الوجوه جميع أعمالكم وهو مجازيكم عليها على أتم وجه ولا مرية في أن هذا مما يسد عليكم طرق الكفر والمعاصي ويقطع أسباب ذلك أصلا قل ياأهل الكتاب لم تصدون أي تصرفون عن سبيل الله أي طريقه الموصلة إليه وهي ملة الإسلام من آمن أي بالله وبما جاء من عنده أو من صدق بتلك السبيل وآمن بذلك الدين بالفعل أو بالقوة القريبة منه بأن أراد ذلك وصمم عليه وهو مفعول لتصدون قدم عليه الجار للإهتمام به تبغونها أي السبيل عوجا أي إعوجاجا وميلا عن الإستواء ويستعمل مكسور العين في الدين والقول والأرض ومنه لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ويستعمل المفتوح في ميل كل شيء منتضب كالقناة والحائط مثلا وهو أحد مفوليتبغونفإن بغي يتغدى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بللام كما صرح به اللغويون وتعديته للهاء من باب الحذف والإيصال أي تبغون لها كما في قوله : فتولى غلامهم ثم نادى أظليما أصيد كم أم حمارا أراد أصيد لكم وقال إبن المنير : الأحسن جعل الهاء مفعولا من غير حاجة إلى تقدير الجار و عوجا حال وقع موقع الأسم مبالغة كأنهم طلبوا أن تكون الططريقة القويمة نفس المعوج وأدعى الطيبي أن فيه نظرا إذ لا يستقيم المعنى إلا على أن يكون عوجا هو المفعول به لأنه مطلوبهم فلا بد من تقدير الجار وفيه تأمل وقيل : عوجا حال من فاعلتبغونوالكلام فيه كالكلام في سابقه وجملةتبغونعلى كل حال إما حال من ضمير تصدون أو منالسبيلوإما مستأنفة جيء بها كالبيان لذلك الصد والأكثرون على أنه كان بالتحريش والأغراء بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم كما دل عليه ما أوردناه في بيان سبب النزول فعلى هذا يكون المراد بأهل الكتاب هم اليهود أيضا والتعبير عنهم بهذا العنوان لما تقدم وإعادة الخطاب والإستفهام مبالغة في التقريع والتوبيخ لهم على قبائحهم وتفصيلها ولو قيل : لم تكفرون بآيات الله وتصدون عن سبيل الله لربما توهم أن التوبيخ على مجموع الأمرين وقيل : الخطاب لأهل الكتاب مطلقا وكان صدهم عن السبيل بهتهم وتغييرهم صفة النبي صلى الله تعالى عليه وسلموإلى هذا ذهب الحسن وقتادةوعن السدي كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون محمدا في كتبكم قالوا : لا فيصدونه عن الإيمان به وهذا ذم لهم بالإضلال إثر ذمهم بالضلال .
وقريء تصدون من أصد وأنتم شهداء حال إما من فاعل تصدون أو من فاعل تبغونوالإستئناف خلاف الظاهر أي كيف تفعلون هذا وأنتم علماء عارفون بتقدم البشارة صلى الله تعالى عليه وسلم مطلعون