من بني آدم الخ فمن تولى بعد ذلك أي بعد ما علم عهد الله تعالى مع النبيين وتبليغ الانبياء اليه ما عهد اليهم فأولئك هم الفاسقون أي الخارجون عن دين الله تعالى ولا دين غيره معتدا به في الحقيقة إلا توهما أفغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والارض أي من في عالم الارواح وعالم النفوس أو من في عالم الملكوت وعالم الملك طوعا باختياره وشعوره وكرها من حيث لا يدري ولا يدري أنه لا يدري بسبب احتجابه برؤية الاغيار ولهذا سقط عن درجة القبول واليه ترجعون في العاقبة حين يكشف عن ساق ومن يبتغ غير الاسلام وهو التوحيد دينا له فلن يقبل منه لعدم وصوله إلى الحق لمكان الحجاب وهو فى الآخرة ويوم القيامة الكبرى من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم كيف يهدي الله قوما الآية استبعاد لهداية من فطره الله على غير استعداد المغرفة وحكم عليه بالكفر في سابق الأزل فان من لم يكن له استعداد لم يقع فى أنوار التجلي ومن خاض في بحر القهر ولزم قعر بعد البعد لم يكن له سبيل إلى ساحل قرب القرب والله غالب على أمره ولله در من قال ك إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت ظنون مربيه وخاب المؤمل فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل هذا والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون كلام مستأنف لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم : إثر بيان ما لا ينفع الكفار ولا يقبل منهم و تنال من نال نيلا إذا أصاب ووجد ويقال : نال العلم إذا وصل اليه واتصف به والبر الاحسان وكمال الخير وبعضهم يفرق بينه وبين الخير بأن البر هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك والخير هو النفع مطلقا وإن وقع سهوا وضد البر العقوق وضد الخير الشر و أل فيه إما للجنس والحقيقة والمراد لن تكونوا أبرارا حتى تنفقوا وهو المروي عن الحسن وإما لتعريف العهد والمراد لن تصيبوا بر الله تعالى يا أهل طاعته حتى تنفقوا وإلى ذلك ذهب مقاتل وعطاء .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه تفسير البر بالجنة وروى مثله عن مسروق والسدى وعمرو بن ميمو وذهب بعضهم إلى أن الكلام على حذف مضاف أي لن تنالوا ثوابالبر و حتى بمعنى إلى و من تبعيضية ويؤيده قراءة عبد الله بعض ما تحبون وقيل : بيانه وعليه ايضا لا تخالف بين القراءتين معنى و ما موصولة أو موصوفة وجعلها مصدرية بمعنى المفعول جائز على رأي ابي علي .
وفي المراد من قوله سبحانه ك ما تحبون أقوال فقيل المال وكنى بذلك عنه لأن جميع الناس يحبون وقيل : نفائس الأموال وكرائمها وقيل : ما يعم ذلك وغيره من سائر الأشياء التي يحبها الانسان ويهواها والانفاق على هذا مجاز وعلى الأولين حقيقة وكان السلف رضي الله تعالى عنهم إذا أحبوا شيئا جعلوه لله تعالى فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار نخلا بالمدينة وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال ابو طلحة : يا رسول الله إن الله تعالى يقول ك لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن احب اموالي إلى بيرحاء وإنها صدقة الله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث اراك الله تعالى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسمها ابو طلحة