إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض وهذا النبي العظيم يعني محمدا عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل التسليم أولى ايضا بمتابعة أبيه الخليل وسلوك منهجه الجليل لانه زبدة مخيض محبته وخلاصه حقيقة فطرته والذين آمنوا به صلى الله تعالى عليه وسلم واشرقت عليهم أنواره وأينعت في رياض قلوبهم اسراره والله ولي المومنين كافة يحفظهم عن آفات القهر ويدخلهم في قبات العصمة ويبيح لهم ديار الكرامة ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم جعله أهل الله سبحانه خطابا للمومنين كما قال بذلك بعض أهل الظاهر أي لا تفشوا أسرار الحق إلا إلى أهله ولا تقروا بمعاني الحقيقة للمحجوبين من الناس فيقعون فيكم ويقصدون سفك دمائكم قل إن الهدى اعني هدى الله أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم من علم الباطن أو مثل ما يحاجوكم به في زعمهم عند ربكم وهو علم الظاهر .
وحاصل المعنى إن الهدى الجمع بين الظاهر والباطن وأما الاقتصار على علم الظاهر وإنكار الباطن فليس بهدى قل إن الفضل بيد الله فيتصرف به حسب مشيئته التابعة لعلمه التابع للمعلوم في أزل الآزال والله واسع عليم فكيف يتقيد بالقيود بل يتجلى حسبما تقتضيه الحكمة في المظاهر لاهل الشهود يختص برحمته الخاصة من يشاء من عباده وهي المعرفة به وهي فوق مكاشفة غيب الملكوت ومشاهدة سر الجبروت والله ذو الفضل العظيم الذي لا يكتنه بلى من أو في بعهده وهو عهد الوح بنعت الكشف وعهد القلب بتلقي الخطاب وعهد العقل بامتثال الاوامر والنواهي والتقى من خطرات النفوس وطوارق الشهوات فان الله يحب المتقين أي فهو بالغ مقام حقيقة المحبة إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية إشارة إلى من مال إلى خضرة الدنيا وآثرها على مشاهدة حضرة المولى وزين ظاهره بعبادة المقربين ومزجها بحب الرياسة فذلك الذي سقط عن رؤية اللقاء ومخاطبة الحق في الدنيا والآخرة ما كان لبشر ان يؤتيه الله كتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس مونوا عبادا لي من دون الله لان الاستنباء لا يكون إلا بعد الفناء في التوحيد فمن محا الله تعالى بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجودا نورانيا حقيا قابلا للكتاب والحكمة العقلية لا يمكن أن يدعو إلى نفسه إذ الداعي اليها لا يكون إلا محجوبا بها وبين الامرين تناقض ولكن يقول كونوا ربانيين أي منسوبين إلى الرب والمراد عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات لتغلب على أسراركم أنوار الرب ولهم في الرباني عبارات كثيرة فقال الشلبي : الرباني الذي لا يأخذ العلوم إلا من الرب ولا يرجع في شئ إلا إليه وقال سهل : الرباني الذي لا يختار على ربه حالا وقال لقاسم : هو المتخلق بأخلاق الرب علما وحكما وقيل : هو الذي محق في وجوده ومحق عن شهوده وقيل : هو الذي لا تؤثر فيه تصاريف الاقدار على اختلافها وقيل ك وقيل : وكل الأقوال ترد من منهل واحد ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا فانها بعض مظاهره وهو سبحانه المطلق حتى عن قيد الاطلاق أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون أي ايأمركم بالاحتجاب برؤية الاشكال والنظر إلى الأمثال بعد أن لاح في اسراركم أنوار التوحيد وطلعت في قلوبكم شموس التفريد وإذ أخذ الله ميثاق النبيين الآية فيه إشارة إلى أنه سبحانه أخذ العهد من نواب الحقيقة المحمدية في الازل بالانقياد والطاعة والايمان بها وخصهم بالذكر لكونهم أهل الصف الاول ورجال الحضرة وقيل : إن الله تعالى أخذ عليهم مثاق التعارف بينهم وإقامة الدين وعدم التفرق وتصديق بعضهم بعضا ودعوة الخلق إلى التوحيد وتخصيص العبادة بالله تعالى وطاعة النبي وتعريف بعضهم بعضا لأممهم وهذا غير الميثاق العام المشار اليه بقوله تعالى : وإذ أخذ ربك