أن الألف واللام ليست موصولة بل هي حرف تعريف والخسران في الآخرة هو حرمان الثواب وحصول العقاب وقيل : أصل الخسران ذهاب رأس المال والمراد به هنا تصييع ما جبل عليه من الفطرة السليمة المشار اليها في حديث كل مولود يولد على الفطرة وعدم الانتفاع بذلك وظهوره بتحقيق ضده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والتعبير بالخاسرين أبلغ من التعبير بخاسر كما اشرنا اليه فيما قبل وهو منزل منزلة اللازم ولذا ترك مفعوله والمعنى وهو من جملة الواقعين في الخسران واستدل بالآية على أن الايمان هو الاسلام إذ لو كان غيره لم يقبل واللازم باطل بالضرورة فالملزوم ميله وأجيب بأن فلن يقبل منه ينفي قبول كل دين يباين دين الاسلام والايمان وإن كان غير الاسلام لكنه لا يغاير دين الاسلام بل هو بحسب الذات وإن كان غيره بحسب المفهوم وذكر الامام أن ظاهر هذه الآية يدل على عدم المغايرة وقوله تعالى : قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا يدل على المغايرة ووجه التوفيق بينهما ان تحمل الآية الاولى على العرف الشرعي والثانية على الوضع اللغوي كيف يهدي الله إلى الدين الحق قوما كفروا بعد إيمنهم أخرج عبد بن حميد وغيره عن الحسن انهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى رأوانعت محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في كتابهم وأقروا وشهدوا أنه حق فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس مثله وقال عكرمة : هم ابو عامر الراهب والحرث ابن سويد في اثني عشر رجلا رجعوا عن الاسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى اهلهم هل لنا من توبة فنزلت الآية فيهم وأكثر الروايات على هذا والمراد من الآية استبعاد أن يهديهم أي يدلهم دلالة موصلة لامطلق الدلالة قاله بعضهم وقيل : إن المعنى كيف يسلك بهم سبيل المهديين بالإثابة لهم والثناء عليهم وقد فعلوا ما فعلوا وقيل : إن الآية على طريق التبعيد كما يقال : كيف أهديك إلى الطريق وقد تركته أي لا طريق يهديهم به إلى الايمان إلا من الوجه الذي هداهم به وقد تركوه ولا طريق غيره وقيل : إن المراد كيف يهديهم إلى الجنة ويثيبهم والحال ما ترى ! وشهدوا ان الرسول وهو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم حق لاشك في رسالته وجاءهم البينت أي البراهين والحجج الناطقة بحقية ما يدعيه وقيل : القرآن وقيل : ما في كتبهم من البشارة به E وشهدوا عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأنه بمعنى آمنوا والظاهر أنه عطف على المعنى كما في قوله تعالى : إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله لا على التوهم كما توهم واختار بعضهم تاويل المعطوف ليصح عطفه على الاسم الصريح قبله بأن يقدر معه أن المصدرية أي إن شهدوا أي وشهادتهم على حد قوله : ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلى من لبس الشفوف وإلى هذا ذهب الراغب وابو البقاء وجوز عطفه على كفروا وفساد المعنى يدفعه أن العطف لا يقتضي الترتيب فليكن المنكر الشهادة المقارنة بالكفر او المتقدمة عليه واعترض بأن الظاهر تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه وشهادتهم هذه لم تكن بعد إيمانهم بل معه أو قبله وأجيب بالمنع لانه لا يلزم تقييد