تلميذا إلى الخليل الخ فانه قد انطفأ فيه سراج التلميذ الثاني عشر على ما يقتضيه قول المسيح : ويل لمن يسلم ابن الانسان مع أن يسوع بزعمكم قال لتلاميذه الاثني عشر وفيهم يهودا الاسخر يوطي الذي اسلمه للقتل إنكم ستجلسون يوم القيامة على اثني عشر كرسيا تدينون اثني عشر سبط بني إسرائيل وقولهم : إنهم سالهم شربة ماء فانه في غاية البعد لأن الانجيل مصرح بأن المسيح كان يطوي اربعين يوما واربعين ليلة ومثله لا يجزع من فراق الماء ساعة لا سيما وقد كان يقول لتلاميذه : إن لي طعاما لا تعرفونه إلى غير ذلك .
الثالث إن ما ذكروا من قيام المسيح من قبره ليلة السبت مع صلبه يوم الجمعة مخالف لما رواه متى في إنجيله فانه قال فيه : سأل اليهود المسيح أن يريهم آية فقال : الجيل الشرير الفاسق يطلب آية فلا يعطي إلا آية يونيان النبي يعني يونس عليه السلام لأنه أقام في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال وكذلك ابن الانسان يقيم في بطن الارض ثلاثة أيام وثلاث ليال الرابع أن في هذه القصة ما يدل دلالة واضحة على أن المصلوب هو الشبه وأن الله تعالى حمى المسيح عليه السلام عن الصلب كما سيتضح لك مع زيادة تحقيق عند قوله تعالى : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم هذا وإنما أكد الحكم السابق اعتناءا به او لأن تسلط الكفار عليه جعل المقام مقام اعتقاد أنهم يقتلونه وأراد سبحانه بقوله : ورافعك إلى رافعك إلى سمائي وقيل : إلى كرامتي وعلى كل فالكلام على حذف مضاف إذ من المعلوم أن البارئ سبحانه ليس بمتحيز في جهة وفي رفعه إلى اي سماء خلاف والذي اختاره الكثير من العارفين أنه رفع إلى السماء الرابعة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رفعه إلى السماء الدنيا فهو فيها يسبح مع الملائكة ثم يهبطه الله تعالى عند ظهور الدجال على صخرة بيت المقدس .
وفي الخازن أنه سبحانه لما رفعه عليه السلام اليه كساه الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش وصار إنسيا ملكيا ارضيا سماويا وأورد بعض الناس ههنا إشكالات وهي أن الله تعالى كان قد أيده بجبريل عليه السلام كما قال سبحانه : وأيدناه بروح القدس ثم إن طرف جناح من أجنحة جبريل كل يكفي للعالم فكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه ! وايضا أنه عليه السلام لما كان قادرا على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والابرص فكيف لم يقدر على إماتتهم ودفع شوكتهم او على إسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصير واعاجزين من التعرض له وايضا لما خلصه من الأعداء بأن رفعه إلى السماء فما الفائدة في إلقاء شبهه على الغير وأجيب عن الكل بأن بناء التكليف على الاختيار ولو اقدر الله تعالى جبريل أو عيسى عليهما السلام على دفع الاعداء أو رفعه غير إلقاء شبهه إلى السماء لبلغت معجزة إلى حد الالجاء والقول بأن فتح باب إلقاء الشبه يوجب ارتفاع الامان عن المحسوسات وأنه يفضي إلى سقوط الشرائع وإبطال التواتر وأيضا إن في ذلك الإلقاء تمويها وتخليطا وذلك لا يليق بحكمه الله تعالى ليس بشئ أما أولا فلأن إلقاء شبه شخص على آخر وإن كان ممكنا في نفسه إلا أن الأصل عدم الإلقاء واستقلال كل من الحيوان بصورته التي هي له نعم لو أخبر الصادق بإلقاء صورة شخص على آخر قلنا به وأعتقدناه فحينئذ لا يرتفع الأمان عن المحسوسات بل هي باقية الاصل فيها فيما لم يخبر الصادق بخلافه على أن إبطال التواتر بفتح هذا الباب ممنوع لانه لم يشترط في الخبر أن يكون عن أمر ثابت في نفس الامر بل يكفي فيه كونه عن أمر محسوس على ما قاله بعض المحققين وأما ثانيا فلأن التمويه والتلبيس إن كان على الاعداء فلا نسلم أنه مما لا يليق بالحكمة وإن كانت النجاة مما تمكن بدون الإلقاء وإن كان ذلك على أوليائه فلا نسلم أن في الإلقاء تمويها لانهم كانوا عارفين يقينا بأن المطلوب الشبه لا عيسى عليه السلام كما ستعرفه إن شاء