من أنه لو تمكن من هذا الفعل لجاز أن يهلك الصالحين وبقاء الأثر بل وحصوله أيضا ليس امرا ضروريا للمس ولا للنخس والحصر باعتبار الأغلب والاقتصار على عيسى عليه السلام وأمه إيذانا باستجابة دعاء امرأة عمران على أتم وجه لتيوجه ارباب الحاج إلى الله تعالى بشراشرهم أو يقدر له ما يخصصه وعلى الثقديرين يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من العموم فلا يلزم تفضيل عيسى E في هذا المعنى ويؤيده خروج المتكلم من عموم كلامه وقد قال به جمع ويشهد له ماروى الجلال في البهجة السنية عن عكرمة قال : لما ولد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أشرقت الارض نورا فقال إبليس : لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقالت له جنوده : لو ذهبت اليه فجاءه فركضه جبريل عليه والسلام فوقع بعدن وهذا أولى من إبقاء العام على عمومه والقول بأنه لا يبعد اختصاص عيسى وأمه بهذه الفضيلة دون الانبياء عليهم السلام ولا يلزم منه تفضيلة عليهم عليهم السلام إذ قد يوجد في الفاضل ما لا يوجد في الأفضل وعلى كلا الأمرين الفاضل والمفضول لا إشكال في الاخبار من تلك الحيثية نعم قد يشكل على ظاهرها أن إعاذة أم مريم كانت بعد الوضع فلا يصح حملها على الاعاذة من المس الذى يكون حين الولادة وأجيب بأن المس ليس إلا بالانفصال وهو الوضع ومعه الاعاذة غايته أنه عبر عنه بالمضارع كما أشرنا إليه لقصد الاستمرار فليتأمل والعجب من بعض أهل السنة كيف يتبع المعتزلة في تأويل مثل هذه الاحاديث الصحيحة لمجرد الميل إلى ترهات الفلاسفة مع أن إبقاءها على ظاهرها مما لا يرنق لهم شربا ولا يضيق عليهم سربا ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل حالنا خيرا من ماضيه فتقبلها أى رضى بمريم فى النذر مكان الذكر ففيه تشبيه النذر بالهدية ورضوان الله تعالى بالقبول ربها أى رب مريم المبلغ لها إلى كما لها اللائق بها وقيل : الضمير لامرأة عمران بدليل أنها التى خاطبت ونادت بقولها رب إني وضعتها الخ والأول أولى بقبول حسن الباء مثلها فى كتبت بالقلم و القبول ما يقبل به الشئ كالسعوط واللدود ما يسعط به ويلد أي تقبلها بوجه حسن تقبل به النذائر وهو اختصاصه سبحانه إياها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى أو تسلمها من أمها عقب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة والخدمة .
فقد روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لما وضعتها خشيت حنة أن لا تقبل الأنثى محرر فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم أيهم يأخذها فقال زكريا وهو رأس الاحبار : أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي فقالت القراءة ولكنا نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها فدعوا بأقلامهم التي يكتبون بها الوحي وجمعوها في موضع ثم غطوها وقل زكريا لبعض من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم ممن في بيت المقدس : أدخل يدك فأخرج فأدخل يده فأخرج قلم زكريا فقالوا : لا نرضي ولكن نلقي الاقلام في الماء فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها فألقوا أقلامهم في نهر الاردن فارتفع قلم زكريا في جري الماء فقالوا : نقترع الثالثة فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها فألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريا مع الماء وارتفعت أقلامهم في جرية الماء وقبضها عند ذلك زكريا ويجوز أن تكون الباء للملابسة و القبول مصدر وهو من المصادر الشاذة وهناك مضاف محذوف والمعنى رضى بها متلبسة بأمر ذي قبول ووجه ذي رضا وهو ما يقيمها مقام الذكور لما اختصت به من الاكرام ويجوز أن يكون تفعل بمعنى استفعل كتعجل بمعنى استعجل والمعنى فاستقبلها ربها وتلقاها من أول وهلة من ولادتها بقبول