بقيود الحرمان أسير والله اعلم بما وضعت ليس المراد الرد عليها فى إخبارها بما هو سبحانه أعلم به كما يتراءى من السياق بل الجملة اعتراضية سيقت لتعظيم المولود الذى وضعته وتفخيم شأنه والتجهيل لها بقدره أى والله أعلم بالشئ الذى وضعته وما علق به من عظائم ودقائق الاسرار وواضح الآيات وهى غافلة عن ذلك كله و ما على هذا عبارة عن الموضوعية قيل : والاتيان بها دون من يلائم التجهيل فانها كثيرا ما يؤتى بها يجهل به وجعلها عبارة عن الواضعة أى والله تعالى أعلم بشأن أم مريم حين تحسرها وتحزنها من توهم خيبة رجاها وأنها ليست من الولى إلى الله تعالى فى شئ إذ لها مرتبة عظمى وتحريرها تحرير لا يوجد منه مما لا وجه له وجزالة النظم تأباه وقرأ ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بما وضعت على خطاب الله تعالى لها والمراد تعظيم شأن الموضوع أيضا أى إنك لا تعلمين قدر ما وضعته وما أودع الله تعالى فيه .
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بما وضعت على أنه من كلامها قالته اعتذارا إلى الله تعالى حيث وضعت مولودا لا يصلح للغرض أو تسلية لنفسها أى ولعل الله تعالى فى ذلك سرا وحكمة ولعل هذا الانثى خير من الذكر فالجملة حينئذ لنفى العلم لا التجهيل لأن العبد ينظر إى ظاهر الحال ولا يقف على ما فى خلاله من الاسرار وحمل قراءة ابن عباس رضى الله تعالى عنهما على هذا المعنى يجعل الخطاب منها لنفسها فى غاية البعد ووضع الظاهر موضع ضمير المخاطب إظهارا لغاية الاجلال وليس الذكر كالأنثى اعتراض آخر مبين لما اشتمل عليه الاول من التعظيم وليس بيانا لمنطوقه حتى يلحق بعطف البيان الممتنع فيه العطف .
واللام فى الذكر والأنثى للعهد أما التى فى الأنثى فلسبق ذكرها صريحا فى قوله سبحانه حكاية : إنى وضعتها أنثى وأما التى فى الذكر فلقولها : إنى نذرت الخ إذ هو الذى طلبته والتحرير لا يكون إلا للذكر وسمى هذا العهد التقديري وهو غير الذهنى لأن قولها : ما فى بطنى صالح للصنفين وقولها : محررا تمن لأن يكون ذكرا فأشير إلى ما فى البطن حسب رجائها وجوز أن تكون الجملة من قولها فيكون مرادها نفى مماثلة الذكر للانثى فاللام للجنس كما هو الظاهر لأنه لم يقصد خصوص ذكر وأنثى بل إن المراد أن هذا الجنس ليس كهذا الجنس وأورد عليه أن قياس كون ذلك من قولها أن يكون وليست الانثى كالذكر فان مقصودها تنقيص الانثى بالنسبة إلى الذكر والعادة فى مثله أن ينفى عن الناقص شبهه بالكامل لا العكس وأجيب بأنه جار على ما هو العادة فى مثله أيضا لان مراد أم مريم ليس تفضيل الذكر على الانثى بل العكس تعظيما لعطية الله تعالى على مطلوبها أى وليس الذكر الذى هو مطلوبى كالأنثى التى وهبها الله تعالى لى علما منها بأن ما يفعله خير مما يريده العبد وفيه نظر أما أولا فلأن اللام فى الذكر والأنثى على هذا يكون للعهد وهو خلاف الظاهر الذى ذهب إليه أكثر المفسرين وأما ثانيا فلأنه ينافى فلأنه ينافى التحسر والتحزن المستفاد من قولها : رب إنى وضعتها أنثى فإن تحزنها ذلك إنما هو لتر جيحها الذكر على الأنثى والمفهوم من هذا الجواب ترجيحها الانثى على الذكر اللهم إلا أن يحمل قولها ذلك على تسلية نفسها بعد ما تحزنت على هبة الانثى بدل الذكر الذى كانت طلبته إلا أنه تبقى مخالفة الظاهر على ما هى فالاولى فى الجواب عدم الخروج عما هو الظاهر والبحث فيما اقتضته العادة فقد قال فى الانتصاف بعد نقل الايراد وذكر القاعدة : وقد وجدت الأمر فى ذلك مختلفا فلم يثبت لى تعين نا قالوه ألا ترى إلى قوله تعالى : لستن كأحد من النساء فنفى عن الكامل شبه الناقص لأن الكمال لازواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثابت بالنسبة إلى عموم النساء وعلى ذلك جاءت عبارة امرأة عمران ومنه أيضا أفمن يخلق كمن لا يخلق انتهى