أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله قال : نعم فقال : أتشهد أنى رسول الله قال نعم ثم دعا بالآخرة فقال له : أتشهد ان محمدا رسول الله قال : نعم فقال : أتشهد أنى رسول الله قال : إنى اصم قالها ثلاثا وفى كل يجيبه بانى اصم فضرب عنقه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : اما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله فهنيئا له وأما الآخر فقد رخصه الله تعالى فلا تبعه عليه وأما القسم الثانى فقى اختاف العلماء فى وجوب الهجرة وعدمه فيه فقال بعضهم : يجب لقوله تعالى : ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة وبدليل النهى عن إضاعة المال وقال قوم : لا تجب إذا الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية ولا يعود من تركها نقصان فى الدين لاتحاد الملة وعدوه القوى المؤمن لا يتعرض له بالسوء من حيث هو مؤمن وقال بعضهم : الحق إن الهجرة هنا قد تجب ايضا إذا خاف هلاك نفسه او اقاربه او هتك حرمته بالافراط ولكن ليست عبادة وقربة حتى يترتب عليها الثواب فان وجوبها لمحض مصلحة دنيوية لذلك المهاجر لا لاصلاح الدين ليترتب عليها الثواب وليس كل واجب يثاب عليه لأن التحقيق أن كل واجب لا يكون عبادة بل الكثير من الواجبات ما لا يترتب عليه ثواب كالأكل عند شدة المجاعة والاحتراز عن المضرات المعلومة او المظنونة فى المرض وعن تناول السموم فى حال الصحة وغير ذلك وهذه الهجرة ايضا من هذا القبيل ةليست هى كالهجرة إلى الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم لتكون مستوجبة بفضل الله تعالى لثواب الآخرة وعدم قوم من باب التقية مداراة الكفار والفلسفة والظلمة وإلانة الكلام لهم والتبسم فى وجوههم والانبساط معهم وإعطائهم لكف اذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض منهم ولا يعد ذلك من باب الموالاة المنهى عنها بل هى سنة وامر مشروع .
فقد روى الديلمى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : إن الله تعالى أمرنى بمداراة الناس كما أمرنى باقامة الفرائض وفى رواية بعثت بالمداراة وفى الجامع سيأتيكم ركب مبغضون فاذا جاءوكم فرحبوابهم وروى ابن أبى الدنيا رأس العقل بعد الايمان بالله تعالى مداداة الناس وفى رواية البيهقى رأس العقل المداداة وأخرج الطبرانى مداراة الناس صدقة وفى رواية له ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة .
وأخرج ابن عدى وابن عساكر من عاش مداريا مات شهيدا قوا بأموالكم أعراضكم وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه وعن بردة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت : استأذن رجل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : بئس ابن الشعيرة أو أخ العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت : يارسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول فقال : ياعائشة إن من أشر الناس من يتركه الناس أو يدعه الناس اتقاء فحشه وفى البخارى عن أبى الدرداء إنا لنكشر فى وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وفى رواية الكشميهنى وإن قلوبنا لتقليهم وفى رواية ابن أبى الدنيا وإبراهيم الحرمى بزيادة ونضحك اليهم إلى غير ذلك من الاحاديث لكن لا تنبغى المداراة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر وتسئ الظنون .
ووراء هذا التحقيق قولان لفئتين متباينتين من الناس وهم الخوارج والشيعة : أما الخوارج فذهبوا إلى أنه لا تجوز التقية بحال ولا يراعى المال وحفظ النفس والعرض فى مقابلة الدين أصلا ولهم تشديدات فى هذا الباب عجيبة منها أن أحدا لو كان يصلى وجاء سارق أو غاضب ليسرق أو يغضب ماله الخطير لا يقطع الصلاة بل يحرم عليه قطعها وطعنوا على بريدة الأسلمى صحانى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بسبب أنه كان يحافظ فرسه