للتخصيص أى بيدك التى لا يكتنه كنهها وبقدرتك التى لا يقدر قدرها الخير كله تتصرف به أنت وحدك حسب مشيئتك لا يتصرف به أحد غيرك ولا يملكه أحد سواك وإنما خص الخير بالذكر تعليما لمراعاة الادب وإلافذكر الإعزاز والإذلال يدل على أن الخير والشر كلاهما بيده سبحانه وكذا قوله تعالى المسوق لتعليل ما سبق وتحقيقه إنك على كل شئ قدير .
62 .
- فلا يبعد أن تكون الآية من باب الاكتفاء وقيل : إنما اقتصر عليه لما أن سبب نزول الآية ما آتى الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم من البشارة بالفتوح وترادف الخيرات وقيل لما أن الأشياء باعتبار الشر وعدمه تنقسم إلى خمسة أقسام الأول ما لا شر فيه أصلا والثانى ما يغلب خيره على شره والثالث ما يكون محضا والرابع ما يكون غالبا على خيره والخامس ما يتساوى الخير والشر فيه والموجود من هذه الاقسام فى العالم القسم الاول والثانى والشر الذى فيه غير مقصود بالذات بل إنما قضاه الله تعالى لحكمه بالغة وهو وسيلة إلى خير أعظم وأعم نفعا والشر اليسير متى كان وسيلة إلى الخير الكثير كان ارتكابه مصلحة تقتضيها الحكمة ولا ياباها الكرم المطلق ألا ترى أن الفصد ةالحجامة وشرب الدواء الكريه وقطع السلعة ونحوها من الامور المؤلمة لكونه وسيلة حصول الصحة يحسن ارتكابه فى مقتضى الحكمة ويعد خيرا لا شرا وصحة لا مرضا وكل قضاء الله تعالى بما نراه شرا من هذا القبيل ولهذا ورد فى الحديث لا تتهم الله تعالى على نفسك وورد لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين .
وجاء لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب ومن هنا قيل : يا من إفسلده صلاح فما قدر من المفاسد لتضمنه المصالح العظيمة اغتفر ذلك القدر اليسير فى جنبها لكونه وسيلة وما أدى إلى الخير فهو خير فكل شر قدره الله تعالى لكونه لم يقصد بالذات لأن أحكام القضاء والقدر كما قالوا : جارية على سنن ما اتفقت عليه الشرائع كلها من النظر إلى جلب المصالح وذب المفاسد بل بالعرض لما يستلزمه من الخير الأعظم والنفع الأتم يصدق عليه بهذا الاعتبار أنه خير فدخل فى قوله سبحانه : بيدك الخير فلذا اقتصر على الخير على وجه أنه شامل لما قصد أصلا ولما استلزاما وهذا من باب ليس فى الإمكان أبدع مما كان وقد درج حكماء الإسلام عليه ولا يعبأ بمن وجه سهام الطعن إليه وفى شرح الهياكل أن الشر مقضى بالعرض وصادر بالتبع لما أن بعض ما يتضمن الخيرات الكثيرة قد يستلزم الشر القليل فكان ترك الخيرات الكثيرة لأجل ذلك الشر القليل شرا كثيرا فصدر عنك ذلك الخير فلزمه حصول ذلك الشر وهو من حيث صدوره عنك خير إذ عدم صدوره شر لتضمنه فوات ذلك الخير فأنت المنزه عن الفحشاء مع أنه لا يجرى فى ملكك إلا ما تشاء وليس هذا من القول بوجوب الاصلح ولا ينافيه لا يسئل عما يفعل إذ لا يفعل ما يسئل عنه كرما وحكمة وجودا ومنه ولو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل الولوج فى الأصل الدخول والإيلاج الإدخال واستعير لزيادة زمان النهار فى الليل وعكسه بحسب المطالع والمغارب فى أكثر البلدان وروى ذلك عن ابن عباس والحسن ومجاهد ولا يضر تساوى الليل والنهار دائما عند خط الاستواء لأنه يكفى الزيادة والنقصان فيهما فى الأغلب وقال الجبائى : المراد بإيلاج أحدهما فى الآخر إيجاد كل واحد منهما عقيب الآخر والأول أقرب إلى اللفظ وعلى التقديرين الظاهر من الليل والنهار ليل التكوير ونهاره وهما المشهور ان عند العامة الذين يفهمون ظاهر القول : ووراء ذلك ايام السلخ التى يعرفها العارفون وأيام الإيلاج الشانية التى يعقلها العلماء الحكماء