الحكم مخصوصا بطائفة من الكفار وهم الموصوفون بما تقدم من الصفات وفيه تأمل وما لهم من نصرين ينصرونهم من بأس الله تعالى وعذابه فى أحد الدارين وجمع الناصر لرعاية ما وقع فى مقابلته لا لنفى تعدد الأنصار لكل واحد منهم وقد يدعى أن مجئ الجمع هنا أحسن من مجئ المفرد لأنه رأس آية والمراد من انتقاء الناصرين انتقاء ما يترتب علىالنصر من المنافع ولفوائد وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أولى ثم إن هذا الحكم وإن كان عاما لسائر الكفار كما يوذن به قوله تعالى : وما للظالمين من انصار إلا أن له هنا موقعا حيث أن هؤلاء الكفرة وصفوا بأنهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط وهم ناصرو الحق على ما أشار اليه الحديث ولا يوجد فيهم ناصر يحول بينهم وبين قتل اولئك الكرام فقوبلوا لذلك بعذاب لا ناصر لهم منه ولا معين لهم فيه .
ومن الناس من زعم أن فى الآية مقابلة ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء الكفر بالعذاب وقتل الانبياء بحبط الاعمال وقتل الآمرين بانتقاء الناصر وهو كما ترى الم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب تعجيب للنبى ولكل من يتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وأنهم إذا عضتهم الحجة فروا إلى الضجة وأعرضوا عن المحجة وفيه تقرير لما سبق من أن الاختلاف إنما كان بعد مجئ العلم وقيل : إنه تنوير لنفى الناصر لهم حيث يصيرون مغلوبين عند تحكيم كتابهم والمراد بالموصول اليهود وبالنصيب الحظ ومن إما للتبعيض وإما للبيان على معنى نصيبا هو الكتاب أو نصيبا منه لأن الوصول إلى كنه كلامه تعالى متعذر فان جعل بيانا كان المراد إنزال الكتاب عليهم وإن جعل تبعيضا كان المراد هدايتهم إلى فهم ما فيه وعلى التقديراللام فى الكتاب للعهد والمراد به التوراة وهو المروى عن كثير من السلف والتنوين للتكثير وجوز أن يكون اللام فى الكتاب للعهد والمراد به اللوح وأن يكون للجنس وعليه النصيب التوراة و من للابتداء فى الاول ويحتملها والتبعيض فى الثانى والتنوين للتعظيم ولك أن تجعله على الوجهالسابق أيضا كذلك وجوز على تقدير أن يراد بالنصيب ما حصل لهم من العلم أن يكون التنوين للتحقير واعترض بأنه لا يساعده مقام المبالغة فى تقبيح حالهم وأجيب بأنه يحتمل أن يكون المقصود تعيرهم بتمردهم واستكبارهم بالنصيب الحقير عن متابعة من له علم لا يوازنه علوم المرسلين كلهم والتعبير عما أوتوه بالنصيب للاشعار بكمال اختصاصه بهم وكونه حقا من حقوقهم التى يجب مراعاتها والعمل بموجبها وقوله تعالى : يدعون إلى كتب الله إما جملة مستأنفة مبينة لمحل التعجب وإما حال من الموصول والمراد بكتاب الله التوراة والاظهار فى مقام الاضمار لإيجاب الاجابة والاضافة للتشريف وتأكيد وجوب المراجعة وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضى الله تعالى عنه وغيره .
وقد أخرج ابن إسحاق وجماعته عنه قال : دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله تعالى فقال النعمان بن عمرو والحرث بن زيد : على اى دين أنت يا محمد قال : على ملة إبراهيم ودينه قالا : فان إبراهيم كان يهوديا فقال لهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : فهلما إلى التوراة فهى بيننا وبينكم فأييا عليه فأنزل الله تعالى الآية وفى البحر زنى رجل من اليهود بامرأة ولم يكن بعد فى ديننا الرجم فتحا كموا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تخفيفا على الزانيين لشرفهما فقال رسول الله : إنما