وخضعت بقلبى وقالبى لله لا أشرك به غيره وفيه إشارة إلى أن الجدال معهم ليس فى موقعه لأنه إنما يكون فى أمر خفى والذى جادلوا به أمر مكشوف وحكم حاله معروف وهو الدين القويم فلا تكون المحاجة والمجادلة إلا مكابرة وحينئذ يكون هذا القول إعراضا عن مجادلتهم وقيل : إنه محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقا للعبادة فكأنه قال : هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا مستمسك بهذا القدر المتفق عليه وداعى الخلق اليه وإنما الخلاف فى امور وراء ذلك فاليهود يدعون التشبيه والجسمية والنصارى يدعون إلهية عيسى عليه السلام والمشركون يدعون وجوب عبادة الاوثان فهؤلاء هم الدعون فعليهم الاثبات ونظير ذلك قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا وعن ابى مسلم أن الآية فى هذا الموضع كقول إبراهيم عليه السلام : إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض فكأنه قيل : فإن نازعوك يا محمد فى هذه التفاصيل فقل : أنا متمسك بطريق إبراهيم عليه السلام وأنتم معترفون بأنه كان محقا فى قوله صادقا فى دينه فيكون من باب التمسك بالإلزامات وداخلا تحت قوله تعالى : وجادلهم بالتى هى أحسن ولعل القول بالإعراض أولى لما فيه من الاشارة إلى سوء حالهم وحط مقدارهم وعبر عن الجملة بالوجه لأنه اشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والمشاعر ومجمع معظم ما يقع به العبادة وبه يحصل التوجه إلى كل شئ وفتح الياء نافع وابن عامر وحفص وسكنها الباقون ومن اتبعن عطف على الضمير المتصل فى أسلمت وحسن للفصل أو مفعول معه وأورد عليهما أنهما يقتضيان اشتراكهم معه صلى الله تعالى عليه وسلم فى إسلام وجهه وليس المعنى أسلمت وجهى وهم اسلموا وجوههم إذ لا يصح أكلت رغيفا وزيدا وقد أكل كل منهما رغيفا فالواجب أن يكون من مبتدأ والخبر محذوف أى ومن اتبعن كذلك أو يكون معطوفا على الجلالة وإسلامه لمن اتبعه بالحفظ والنصيحة وأجيب بأن فهم المعنى وعدم الالباس يسوغ كلا الامرين ويستغنى بذلك عن مئونة الحذف وتكلف خلاف الظاهر جدا وأثبت الياء فى اتبعنى على الأصل أبو عمرو ونافع وحذفها الباقون وحذفها أحسن لموافقة خط المصحف وقد جاء الحذف فى مثل ذلك كثيرا كقول الاعشى : فهل يمنعنى ارتيادي البلا دمن حذر الموت أن يأتين وقل للذين أوتوا الكتب والأمين عطف على الجملة الشرطية والمعنى فإن حاجك أهل الكتاب فقابلهم فإن أجدى فعمم الدعوة وقل للأسود والأحمر ءأسلمتم متبعين لى كما فعل المؤمنين فإنه قد جاءكم من الآيات ما يوجبه ويقتضيه أم أنتم على كفركم بآيات الله تعالى وإصراركم على العناد وهذا كما تقول إذا لخصت لسائل مسالة ولم تدع من طرق البيان مسلكا إلا سلكته فهل فهمتها على طرز فهل أنتم منتهون إثر تفصيل الصوارف عن تعاطى ما حرم تعاطيه وفى ذلك تعيير بالمعاندة وقلة الانصاف وتوبيخ بالبلادة وجمود القريحة والكثيرون على أن الاستفهام للتقرير وفى ضمنه الامر ووضع الموصول موضع الضمير لرعاية التقابل بين المتعاطفين والمراد من الأميين الذين لا يكتبون من مشركى العرب قاله ابن عباس وغيره .
فإن أسلموا أى اتصفوا بالاسلام والدين الحق فقد اهتدوا على تضمين معنى الخروج أى اهتدوا خارجين من الضلال كذا قيل وبعض يفسر الاهتداء باللازم وهو النفع أى فقد نفعوا انفسهم قالوا : وسبب