وداوموا على تجرع الاكتئاب وترك المحاب إلى أن تحققوا بالاقتراب والمنفقين الذين جادوا بنفوسهم من حيث الاعمال ثم جادوا بميسورهم من الأموال ثم جادوا بقلوبهم الاحوال ثم جادوا بكل حظ لهم فى العاجل والآجل استهلاكا فى أنوار الوصال والمستغفرين هم الذين يستغفرون عن جميع ذلك إذا رجعوا إلى الصحو وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا وإشراق أنوار جماله على آفاق النفس وندائه هل من سائل هل من مستغفر هل من كذا هل من كذا ثم لما مدح سبحانه أحبابه أرباب الدين وذم أعداءه الكافرين عقب ذلك ببيان الدين الحق والعروة الوثقى على أتم وجه وآكده فقال سبحانه : شهد الله أنه لا إله إلا هو قال الكلبى : لما ظهر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الذى يخرج فى آخر الزمان فلما دخلا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له : أنت محمى قال : نعم قالا : أنت أحمد قال : نعم قالا : إنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك فقال لهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سلانى فقالا له : أخبرنا عن أعظم شهادة فى كتاب الله تعالى فأنزل الله تعالى الآية وأسلما وقيل : نزلت فى نصارى نجران لما حاجوا فى امر عيسى عليه السلام وهو الذى يشعر به ما أشرنا اليه قبل من الآثار ويميل اليه كلام محمد ابن جعفر بن الزبير وقيل : نزلت فى اليهود والنصارى لما تراكوا اسم الاسلام وتسموا باليهودية والنصرانية وقيل : إنهم قالوا ديننا أفضل من دينك فنزلت .
والجمهور على قراءة شهد بلفظ الماضى وفتح همزة أنه على معنى بأنه أو على أنه وقرئ إنه بكسر الهمزة إما بإجراء شهد مجرى قال وإما يجعل الجملة اعتراضا وإيقاع الفعل على إن الدين الخ على قراءة من يفتح الهمزة كما ستراه والضمير راجع اليه تعالى ويحتمل أن يكون ضميرا الشأن وقرئ شهداء لله بالنصب والرفع على أنه جمع شهيد كظرفاء فى جمع ظريف أو جمع شاهد كشعراء فى جمع شاعر والنصب إما على الحالية من المذكورين وإما على المدح والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ومآله المدح أى هم شهداء والاسم الجليل فى الوجهين مجرور باللام متعلق بما عنده وقرئ شهداء الله بالرفع والاضافة وفى شهد مسندا إلى الله تعالى استعارة تصريحية تبعية لان المراد أنه سبحانه دل على وحدانيته بل وسائر كمالاته بأفعاله الخاصة التى لا يقدر عليها غيره وما بصبه من الدلائل التكوينية فى الآفاق والانفس وبما أوحى من آياته الناطقة بذلك كسورة الاخلاص وآية الكرسى وغيرهما فشبه سبحانه تلك الدلالة الواضحة بشهادة الشاهد فى البيان والكشف ثم استعير لفظ المشبه به للمشبه ثم سرت الاستعارة من المصدر إلى الفعل وجوز أن يكون هناك مجاز مرسل تبعى لما أن البيان لازم للشهادة وقد ذكر اللفظ الدال عن الملزوم وأريد به اللازم وهذا الحمل ضرورى على قراءة الجمهور دون القراءة الشاذة والملئكة وأولوا العلم عطف على الاسم الجليل ولا بد حينئذ من حمل الشهادة على معنى مجازى شامل لما يسند إلى هذين الجمعين بطريق عموم المجاز أى أقر الملايكة بذلك وآمن العلماء به واحتجوا عليه وبعضهم قدر فى كل من المعطوفين لفظ شهد مرادا منه ما يصح نسبته إلى ما أسند إليه ولعل القول بعموم المجاز أولى منه قيل : والمراد بأولوا العلم : الانبياء عليهم السلام وقيل : المهاجرون والأنصار