الضمير هذا على تقدير أن يكون الوقف على الراسخون وهو الذى ذهب اليه الشافعية وسائر من فسر المتشابه بما لم يتضح معناه وأما على تقدير أن يكون الوقف على إلا الله وهو الدى ذهب اليه الحنفية القائلون بأن المتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه فالراسخون مبتدأ يقولون خبر عنه ورجح الأول بوجوه : أما أولا فلأنه لو أريد بيان حظ الراسخين مقابلا لبيان حظ الزائغين لكان المناسب أن يقال وأما الراسخون فيقولون وأما ثانيا فلأنه لا فائدة حينئذ فى قيد الرسوخ بل هذا حكم العالمين كلهم وأما ثالثا فلأنه لا ينحصر حينئذ الكتاب فى المحكم والمتشابه على ما هو مقتضى ظاهر العبارة حيث لم يقل ومنه متشابهات لأن ما لا يكون متضح المعنى ويهتدى العلماء ألى تأويله ورده إلى المحكم لا يكون محكما ولا متشابها بالمعنى الذكور وهو كثير جدا وأما رابعا فلأن المحكم حينئذ لا يكون أم الكتاب بمعنى رجوع المتشابه إليه إذ لا رجوع إليه فيما استأثر الله تعالى بعلمه كعدد الزبانية مثلا وأما خامسا فلأنه قد ثبت فى الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعا لابن عباس فقال : اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل ولو كان التأويل مما لا يعلمه إلا الله تعالى لما كان للدعاء معنى وأما سادسا فلأن ابن عباس رضى الله تعالى عنه كان يقول : أنا ممن يعلم تأويله وأما سابعا فلأنه سبحانه وتعالى مدح الراسخين بالتذكير فى هذا المقام وهو يشعر بأن لهم الحظ الأوفر من معرفة ذلك وأما ثامنا فلأنه يبعد أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته والقول : بأن م أما للتفصيل فلا بد فى مقابلة الحكم على الزائغين من حكم على الراسخين ليتحقق التفصيل غاية الأمر أنه حذفت أما والفاء وبأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فالجمع فى قوله سبحانه : أنزل عليك الكتاب والتقسيم فى قوله تعالى : منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات والتفريق فى قوله عز شأنه : فأما الذين فى قلوبهم زيغ الخ فلا بد فى مقابلة ذلك من حكم يتعلق بالمحكم وهو أن الراسخين يتبعونه ويرجعون المتشابه إليه على ما هو مضمون قوله سبحانه : والراسخون فى العلم الخ مجاب عنه بأن كون أما للتفصيل أكثرى لا كلى ولو سلم فليس ذكرا المقابل فى اللفظ بلازم .
ثم لو سلم بأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فذكر المقابل على سبيل الاستئناف أو الحال أعنى يقولون الخ كاف فى ذلك ورجح الثانى بأنه مذهب الأكثرين من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والتابعين وأتباعهم خصوصا أهل السنة وهو أصح الروايات عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه ولم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة بالنسبة إلى الأكثرين كما نص عليه ابن السمعانى وغيره ويد الله تعالى مع الجماعة ويدل على صحة مذهبهم أخبار كثيرة الأول ما أخرجه عبدالرزاق فى تفسيره والحاكم فى مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون فى العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فاقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه على من دونه وحكى الفراء أن فى قراءة أبى بن كعب أيضا ويقول الراسخون فى العلم .
وأخرج ابن أبى داود فى المصاحف من طريق الأعمش قال فى قراءة ابن مسعود وإن تأويله إلا عندالله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به الثانى ما أخرج الطبرانى فى الكبير عن ابى مالك الأشعرى أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : لا أخاف على أمتى إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغى تأويله وما ينبغى تأويله إلا الله تعالى .
الحديث الثالث ما أخرج ابن مردويه من حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول الله